حمزة كارسيتش/ الأناضول
– تعاني دول البلقان خصوصا البوسنة والهرسك، من موجهة هجرة كبيرة انعكست على أعداد سكانها.
– عدد سكان البوسنة انخفض من 4.37 مليون عام 1991 إلى 3.53 مليون في 2013، وفق إحصاء رسمي.
– باقي دول البلقان على غرار كرواتيا وصربيا تواجه انخفاضا في عدد السكان، لأسباب من بينها الهجرة.
تمتلئ العاصمة سراييفو بالبوسنيين والسياح أثناء الفترة من مايو/ أيار إلى أواخر أغسطس/ آب، لكن الوضع يصبح مختلفا بشكل واضح بعد انقضاء فصل الصيف.
عندما بدأت العمل كمدرس مساعد في جامعة سراييفو منذ أكثر من عقد من الزمان، كان لدي ما يقرب من ألف طالب، لكن حاليا لدي نحو 200 طالب فقط، وهذا يظهر أن عدد سكان البوسنة آخذ في الانخفاض بسرعة.
في التعداد السكاني الذي أُجري عام 1991، كان عدد سكان البوسنة يقدر بـ4.37 مليون نسمة، ولكن آخر تعداد أجري في البلاد عام 2013 أظهر أن عدد السكان يقدر بنحو 3.53 مليون، ولكنني أعتقد أن الواقع أكثر قسوة.
** الهجرة الجماعية
اعتبر العديد من المحللين أن الأرقام التي أظهرها تعداد 2013 “غير دقيقة”، حيث كان الرقم الحقيقي أقل من ذلك بكثير، فعلى مدى السنوات الماضية، ظهر اتجاه للهجرة الجماعية من البوسنة.
يبحث معظم من يغادرون البوسنة عن عمل في دول الاتحاد الأوروبي، وخصوصا في ألمانيا، حيث يحرص الشباب في الجامعات والخريجين الجدد على تعلم اللغة الألمانية بشكل متزايد على أمل أن يهاجروا.
لكن العاطلين عن العمل ليسوا وحدهم من يغادرون البلاد، ولكن عددا من المهنيين الشباب العاملين يبحثون أيضا عن وظائف جيدة بظروف أفضل في الاتحاد الأوروبي، وهناك العديد من الحالات التي تقوم فيها عائلات بأكملها بملء حقائبها والتوجه غربا.
ورغم قلة الإحصاءات الرسمية بشأن عدد البوسنيين الذين غادروا البلاد منذ تعداد 2013، إلا أن تقارير غير رسمية صادرة عن منظمات غير حكومية، أفادت أن نصف مليون شخص غادروا البلاد بين عامي 2013 و2019.
وفي عام 2021 فقط، قُدِر عدد المغادرين بـ 170 ألف نسمة، وهو ما يعادل عدد سكان مدينة كبرى في البوسنة، حيث تعد هذه الأرقام مذهلة بالنسبة لبلد يبلغ عدد سكانه رسميا 3.5 مليون نسمة.
ومع ذلك، يتعين على الإحصائيات مواكبة حجم الهجرة الجماعية المتزايد، حيث يُظهر التجول بمدينة توزلا (شمال شرق) إحدى المدن الرئيسية بالبوسنة، أو باقي المدن والبلدات الأخرى، الحجم الحقيقي للهجرة الجماعية في البلاد.
** اتجاه مماثل في البلقان
سجلت دول البلقان الأخرى انخفاضا مماثلا في عدد السكان، بينها كرواتيا التي سجلت انخفاضا حادا في عدد سكانها.
رصد التعداد السكاني الذي أجري عام 2021 وجود 3.88 مليون شخص يعيشون في كرواتيا، مقارنة بـ4.28 مليون نسمة في تعداد 2011.
ووفق تقارير إعلامية، فإن أيرلندا هي الوجهة المفضلة لهجرة العديد من الكرواتيين.
وعلى عكس البوسنة، لا تواجه كرواتيا جمودا سياسيا داخليا يعيق الحكم من العمل بكفاءة، ولكن رغم انضمام الأخيرة إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو) والاتحاد الأوروبي، إلا أنها سجلت انخفاضا كبيرا في عدد السكان.
وفي صربيا، بدأت الحكومة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إجراء تعداد سكاني، بعد أكثر من عقد من الزمن من آخر تعداد في البلاد.
وبينما لم يتم الإعلان عن الإحصاءات الرسمية بعد، إلا أن تقارير إعلامية تفيد بأنه من المتوقع أن ينخفض عدد السكان بمقدار نصف مليون.
وفي شمال مقدونيا، أظهر تعداد عام 2021، أن عدد سكان البلاد يبلغ 1.83 مليون نسمة، مسجلا انخفاضا بأكثر من 9 بالمئة عن تعداد عام 2002.
وتُظهر هذه الأرقام أن التدهور السكاني يعد تحديا شائعا في كافة بلدان المنطقة.
** الأرض الموعودة
ليس مواطني دول البلقان، التي كانت ذات يوم جزءا من يوغوسلافيا، وحدهم من يتجهون نحو ألمانيا والنمسا.
فخلال رحلتي الأخيرة إلى اليونان ورومانيا، سمعت أن الشباب هناك متحمسون للانتقال إلى ألمانيا ودول حلف “ناتو” والاتحاد الأوروبي، التي لا تواجه تحديات ما بعد الحرب مثل تلك الموجودة في البوسنة.
وخلال العقدين الماضيين، كان يُنظر إلى عضوية الاتحاد الأوروبي على أنها الدواء الشافي لمعظم المشاكل التي تواجه البلقان.
وكان الخطاب السائد في البلقان أن عملية التكامل الأوروبي ستؤدي إلى إصلاحات مهمة في الدول التي تطمح للانضمام إلى الكتلة الأوروبية، وأن ذلك من شأنه تحسين معايير الحكم وسبل العيش بالمنطقة.
ولكن في حين كان الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي مفيدا لبعض دول البلقان، ما تزال المنطقة تشهد انخفاضا في عدد السكان.
يتجه شباب البلقان نحو الحصول على فرص عمل أفضل وبيئات أكثر استقرارا ومستقبل أكثر إشراقا في غرب أوروبا، ما يشير إلى أن الانخفاض السكاني سيستمر سواء مع أو بدون الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
يجب أن يكون هذا التحدي المتمثل في انخفاض عدد السكان بمثابة جرس إنذار للحكومات في المنطقة، فالوضع مريع، وخاصة في البوسنة.
كما أن الحكومات الجديدة المتوقع تشكيلها على مستويات مختلفة في البلاد بحاجة إلى مواجهة هذا التحدي عن طريق تقديم مجموعة من الحوافز للشباب لحثهم على البقاء.
كما يجب على حكومات المنطقة تقديم منح مادية ودعم إسكاني للشباب، ودعم مالي للعائلات التي لديها أطفال صغار لتغطية نفقات رياض الأطفال والمدارس.
وتعد الحوافز الضريبية للمهنيين الشباب، وخاصة العاملين لحسابهم الخاص، أولوية للحد من الهجرة الجماعية.
كما يجب دعم رواد الأعمال الشباب ماليا من قبل الحكومات في جميع أنحاء المنطقة، وتحسين الرعاية الصحية.
ومع كل ذلك، فمن غير الواضح ما إذا كان بالإمكان عكس اتجاه الانخفاض السكاني، أو ربما تحسينه على أقل تقدير.
** الكاتب أستاذ مشارك بكلية العلوم السياسية بجامعة سراييفو.
** الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لوكالة الأناضول.
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المصدر: وكالات