إعلان “لجنة دعم رقمنة وتحديث وإنشاء القاعات السينمائية” بالمركز السينمائي المغربي عن تخصيص غلاف مالي، بقيمة 11 مليونا و500 ألف درهم، لدعم خمس قاعات سينمائية وطنية دفع بالعديد من المهتمين بالشأن الثقافي في مدينة وجدة إلى التذكير بغياب قاعات سينمائية بالمدينة، بعدما كانت تحتضن العديد منها في وقت سابق.
وجاءت اللائحة التي أعلنتها اللجنة التي يترأسها محمد كلاوي خالية من مدينة وجدة، على الرّغم من أن الدعم تضمّن إنشاء قاعتين سينمائيتين جديدتين بكل من الجديدة وبني ملال إلى جانب تحديث ورقمنة أخرى في الدار البيضاء وتطوان، وهو ما شكّل لدى المهتمّين الذين اطلعت هسبريس على تدوينات بعضهم على موقع “فيسبوك” “خيبة أمل” في إحداث قاعة بعاصمة جهة الشّرق.
وفي المقابل، أوضح بلاغ “لجنة دعم رقمنة وتحديث وإنشاء القاعات السينمائية” أنها قامت، بعد الدراسة والمداولة في الملفات المرشّحة للدعم، بدعمها كاملة، وهو ما يعني أن مدينة وجدة لم تُرشّح بالأساس لاحتضان مشروع قاعة جديدة أو تحديث أخرى متواجدة بالفعل، كسينما “فوكس” على سبيل المثال، في حال تم إصلاحها.
في هذا السياق، يرى فريد بوجيدة، الناقد السينمائي والدكتور في “سوسيولوجيا السينما”، أن اختيار المركز السينمائي للجديدة وبني ملال لإنشاء قاعات جديدة، وتجديد قاعات بالدار البيضاء وتطوان ورقمنة قاعات أخرى بالمحور نفسه “لا أجد له أي تفسير، لكنه اختيار من بين الاختيارات الممكنة”، وفق تعبيره
“طبعاً هناك معايير معينة تم الاعتماد عليها في التجديد والرقمنة، وهي معروفة”، يضيف بوجيدة، مستدركا: “غير أن إنشاء القاعات في بني ملال والجديدة فقط أمر يدعو إلى الاستغراب، وهذا لا يقلل من شأن هذه المدن وحاجاتها إلى فضاءات الفرجة، لكننا نبهنا في أكثر من مناسبة إلى أن تطوير السينما وجعلها ضمن الأولويات يتطلب إنشاء قاعات في جميع المدن، خاصة تلك التي تعرف حركية سينمائية وتنشط فيها الأندية والجمعيات المتخصصة”.
من جانب آخر يرى المتحدّث ذاته أن دعم القاعات السينمائية حسب ما هو مطلوب لا يمكن أن يكون إلا بتوفير شروط أساسية، أولها أن يقوم صاحبها بإصلاحها، وهو الأمر الذي لم يتوفر في مدينة وجدة، مضيفا في هذا السياق: “نلاحظ أن القاعات المدعمة، سواء بتطوان أو الدار البيضاء، مازالت تشتغل وفق شروط معينة حددها المركز السينمائي المغربي (فيها شروط العرض)”، ومشيرا إلى أنه سبق لهم في إطار جمعية “سيني مغرب” أن نبّهوا سابقا إلى هذا الأمر، وزاد: “بل قمنا بزيارة ميدانية لبعض القاعات وفتحنا نقاشات مع أصحابها لحثهم على تقديم ملفات من أجل الدعم وتوفير الشروط اللازمة لإصلاح القاعات”.
وبالحديث عن مدينة وجدة تحديدا، يرى الناقد السينمائي أنها “تتطلب وقفة تأملية لكي نقرأ الوضع جيدا”، مردفا: “حينما نتحدث عن دعم القاعات لا يجب أن نخفي واقعا مريرا تعيشه المدينة على هذا المستوى، إذ لم تعد هناك قاعات سينمائية، وإن كانت المدينة تحتضن ثلاثة مهرجانات سينمائية: المهرجان المغاربي للسينما وآخر للهواة والثالث لسينما الهجرة، بل يعد المهرجان المغاربي من أكبر المهرجانات السينمائية في المغرب، ومع ذلك لا توجد قاعة سينمائية بالمعنى المتعارف عليه”.
وخلص بوجيدة إلى أن “دعم القطاع السينمائي مسألة محمودة، من منظور ثقافي وليس تجاري، سواء الأفلام أو المهرجانات أو القاعات السينمائية، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الثقافة لا تدعم إلا قليلا، والميزانية المخصصة للقطاع بشكل عام لا يمكن اعتبارها كبيرة إذا قارناها بالمبالغ المخصصة لقطاعات أخرى لا يسلط عليها الضوء، مثل القطاع الفلاحي ودعم الفلاحين الكبار، معبّراً عن طموحه في أن يفتح نقاش أساسي حول القاعات السينمائية بالمدينة، “من خلال سؤال محوري هو لماذا تم تسهيل هدم القاعات ومن المستفيد من إزالتها؟”.
ويشير الباحثون إلى أن مدينة وجدة تشبّعت بالثقافة السينمائية منذ عهد الاستعمار الفرنسي الذي شيّد بها القاعات الأولى، قبل أن يتجه مستثمرون مغاربة إلى إحداث أكثر من 10 قاعات سينمائية بعد الاستقلال، ولعلّ من أبرزها “سينما كوليزي وفوكس وباريز والنصر والريف”، لكنها أغلقت جميعها، واندثرت أغلبها.
وباتت مواعيد الوجديين مع الأفلام السينمائية محدودة جداً ومحصورة في أيام قليلة تمتد لأسبوع على الأكثر خلال تنظيم دورات مهرجانات سينمائية معدودة على رؤوس الأصابع، يحتضنها في الغالب مسرح محمد السادس.
المصدر: وكالات