تتوارى الحرب الدائرة في الكونغو الديمقراطية والإبادة الجماعية التي يتعرض لها مواطنو هذه الدولة الإفريقية الغنية بالثروات المعدنية عن عدسات كاميرات وسائل الإعلام، بالرغم من حجم الأزمة الإنسانية والمشاهد المروعة من تقتيل واغتصاب.
الصراع داخل الكونغو الديمقراطية يستمر بدعم من الدول الغربية التي تخوض الحروب بالوكالة بين الجماعات العرقية المسلحة المدعومة إقليميا من أوغندا من جهة، ورواندا وبورندي من جهة أخرى، مما جعل الحرب في هذا البلد الإفريقي أخطر حرب منذ الحرب العالمية الثانية، حيث خلفت أزيد من 6 ملايين قتيل وما يقارب 5 ملايين ونصف مليون نازح، بحسب ما أكده حسن بلوان، باحث في العلوم السياسية.
ثروات وأطماع
قال بلوان في تصريح لهسبريس: “رغم أن الكونغو تعد ثاني أكبر بلد إفريقي من حيث المساحة وتنعم بثروات معدنية كبيرة، على رأسها الذهب والألماس، إلا أنها لا تزال أفقر وأفشل الدول الإفريقية التي تمزقها الحروب والنزاعات المسلحة والفساد والركود الاقتصادي”.
وشدد بلوان على أن “القوى الاستعمارية تتحمل الدور التاريخي الأبرز في تقسيم وتفتيت الإثنيات العرقية المتداخلة بين الدول الإفريقية لسنوات وعقود الاستعمار، كما ساهم العداء الأزلي بين قبيلتي الهوتو والتوتسي في فظائع الإبادة الجماعية التي انتقلت من رواندا إلى شرق الكونغو، وتفاقمت هذه الحروب بعد ظهور [حركة مارس 23] كوريثة لمليشيات الهوتو الفارة من رواندا بعد هزيمتها من قبل الرئيس كاغامي، والتي ترتكب فظائع خطيرة كالقتل والاغتصاب الممنهج في حق المدنيين العزل والأبرياء من التوتسي، خاصة الأطفال والنساء، فترد الميلشيات المسلحة من التوتسي بالفظاعة نفسها في حق المدنيين من الهوتو”.
وبغض النظر عن التدخلات الخارجية، أوضح الباحث ذاته أن هناك أسبابا كبيرة، سياسية واقتصادية واجتماعية وإثنية، تساهم في استمرار الحرب الأهلية منذ سنوات الاستقلال الأولى عن المستعمر البلجيكي؛ أولها “الفساد الذي يعم الجيش وجميع دواليب الدولة والخضوع للولاءات الإثنية والقبلية، وتناسل الحركات المسلحة وقيامها بحرب الوكالات الإقليمية والتدخل الأوغندي والرواندي في الشرق الكونغولي الغني بالمعادن النفيسة، مما يطيل أمد الحرب التي أصبحت ذاتية التمويل”.
كما أكد المتحدث أن “التقاطبات الدولية والصراع بين القوى الغربية، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا من جهة، والصين وروسيا من جهة أخرى، حول مناطق النفوذ السياسي والاقتصادي داخل القارة السمراء، يعد من بين أسباب استمرار الحرب”.
وشدد المصرح لهسبريس على أن علامات استفهام كبرى تطرح حول التعتيم الإعلامي الغربي على حروب الإبادة في هذه المنطقة، وعدم التركيز عليها في المحافل الدولية، معتبرا أن ذلك “يكشف حجم المصالح التي تجنيها الدول الغربية من استمرار مثل هذه النزاعات التي تتنافى مع القانون الدولي الإنساني، وما تقترفه المليشيات المسلحة المدعومة إقليميا ودوليا من مجازر”.
وأضاف بلوان أن “ما يحدث في منطقة الشرق الكونغولي يخفي توترات إقليمية وإن كانت مغلفة بالإثنية إلا أنها تخفي التنافس حول الثروات المعدنية التي تزخر بها هذه المنطقة من خيرات معدنية ونفطية، بالإضافة إلى الامتداد داخل عمق استراتيجي تشكله الكونغو الديمقراطية وسط وغرب وشرق القارة الإفريقية”.
تعتيم إعلامي
أشار محمد شقير، باحث في العلوم السياسية، إلى أن الكونغو “عانت من عدم الاستقرار السياسي منذ استقلالها بسبب موقعها الجغرافي الذي يتوسط عدة دول بشرق إفريقيا، بالإضافة إلى أن هذا البلد غني بثرواته المعدنية، وعلى رأسها الذهب والماس، مما جعله يعاني من التدخلات الأجنبية، وعلى رأسها كل من فرنسا وأمريكا”.
ونظرا للطبيعة القبلية لهذا البلد، يوضح شقير، فقد “عرف توترات عرقية عدة بسبب التقاتل بين التوتسي الموالي لرواندا التي دخلت في مناوشات عسكرية مع الكونغو التي تتهمها بموالاة ودعم “حركة مارس 23″ المتمردة على الحكم بالكونغو، والتي ارتكبت عدة مذابح ضد النازحين بشرق الكونغو واستولت على عدة أراضي في تلك المنطقة، مما استدعى إرسال بعثة حفظ السلام، وذلك منذ 1999”.
وقال الباحث في العلوم السياسية إن “الرهان القائم حاليا يتركز بالأساس بين الرئيس الكونغولي الذي طالب بالإسراع بسحب بعثة حفظ السلام في نهاية سنة 2023 بدل 2024، وذلك لضمان ولاية جديدة في الانتخابات الرئاسية التي تجرى في نهاية هذه السنة لكسب الرأي العام الداخلي الذي ينظر باستياء إلى تواجد أعضاء هذه البعثة ويعتبرها عاجزة عن ضمان الأمن بالبلاد ويتهمها بارتكاب عدة خروقات وانتهاكات ضد الساكنة، بما في ذلك الاعتداءات الجنسية، بالإضافة إلى عدم نجاحها في صد هجمات الحركة المتمردة مارس 23 التي ارتكبت عدة مجازر ضد النازحين والساكنة”.
ومن جهة أخرى، يواصل شقير، “تضغط الولايات المتحدة الأمريكية من أجل أن يتم سحب هذه البعثة بشكل تدريجي للحفاظ على الأمن بالبلاد، وتحاول عدم تسليط الضوء الإعلامي على هذه الأحداث التي يحاول الرئيس تشيكيدي استغلالها في حملته الانتخابية، وأيضا حتى لا تترك المجال للقوات الكونغولية لمواجهة مباشرة مع الحركة المتمردة المدعمة من طرف النظام الرواندي الذي يحظى بدعم فرنسي وأمريكي”.
وأشار المتحدث لهسبريس إلى “وجود تخوف غربي من كون هذا الانسحاب قد يسمح بتعدد قوات دول أخرى كروسيا من خلال قوات فاغنر، على غرار ما وقع بمالي وغيرها من بلدان الساحل التي تراجع فيها النفوذ الغربي، وبالأخص النفوذ الفرنسي الذي تعتبر كل من رواندا والكونغو من ضمن منطقته الفرنكوفونية”.
المصدر: وكالات