يرى الأكاديمي والسياسي محمد الساسي أن “الانتقال الديمقراطي” سيتحقق في المغرب والمنطقة مستقبلا، قبل أن يستدرك بأن التمسك بالاتحاد والتنسيق والمشاركة السياسية هدفه “اختصار الزمن” للوصول إلى هذا الهدف.
جاء هذا خلال تقديم كتاب الأكاديمي محمد مدني حول “المسألة الدستورية بالمغرب”، الجمعة بالعاصمة الرباط في المقر المركزي لحزب فيدرالية اليسار الديمقراطي، حيث قال الساسي إن “ما نشاهده اليوم من قمع وضغط على حرية التعبير ومحاصرة بعض المعارضين، ومن حراكات مثل حراكي الريف وزاكورة، معناه خوف النظام من أن تأتي حركة أخرى. هذا قمع استباقي، لكن العاصفة آتية لا محالة، لا بد في منطقتنا كلها أن تأتي هبات أخرى، ولا يمكن أن تبقى منطقتنا معزولة عن تيار الدمقرطة العالمي (…) وربما ستأتي الهَبّات في مواعيد لا نتوقعها”.
وفي الذكرى 12 لـ”حركة 20 فبراير”، ذكر المتدخل أنها “فكرة، وتمثل دافعا لكي تسترجع الفكرة صيغة جديدة للظهور؛ لأن الدمقرطة اليوم نزعة ثقيلة ولا يمكن تجنبها”.
وعاد الساسي إلى سؤال استمرار “الملكية التنفيذية” من عدمه بعد دستور 2011، وأجاب: “لكنه لم ينهها، واستمرت عبر الاجتماعات الملكية، والأوراش المسماة ملكية، ونظرية بنكيران بأن الدستور معلق بشرط انتظار إشارة التفعيل، والانتقال من فكرة الملك الاستراتيجي إلى فكرة الملك المصحح، الذي له حق التدخل متى ما رأى أن الآخرين لم يقوموا بشيء، وهي فكرة جعلت الدستور ليس هو الذي يؤطر عمليا الحياة السياسية، كما بلور عبد الإله بنكيران نظرية المساعدة: {أنا مجرد مساعد للملك}، حتى وصلنا إلى مخالفة صريحة للدستور عند اختبار البلوكاج 2016-2017”.
وانتقد الساسي “القراءة التجزيئية للدستور”، متذكرا “القراءات الإيجابية” لدستور 2011 من طرف فئات مجتمعية متعددة، فـ”نظرت الحركة النسائية للفصل 19، والحركة الثقافية الأمازيغية لدسترة الأمازيغية، وغيرها”، مما تسبب في غفلة عن “بياضاته”، لأنه “لَم يُنظر إليه كبنية”، ولم يُركّز على المطالب الأساسية مثل “استقلال القضاء، الذي لا يجب أن يكون خاضعا لمن قمعني في الشارع”.
وذكر الأستاذ الباحث أن “التاريخ الدستوري المغربي ليس تراكميا”، وواصل شارحا: “عندما يأتي دستور، لا يكون متقدما بالضرورة على الذي سبقه؛ فدستور 1970 مثلا أسوأ من دستور 1962 (…) ودستور 2011 أحسنهم جميعا، لكنه ليس دستور الملكية البرلمانية”.
وسجل المتدخل أن الأثر البارز لـ”حركة 20 فبراير” هو دفعها لتعديل الدستور “ولو لم يكن في الأجندة السياسية للعهد الجديد، الذي كان يتحدث عن الإصلاح المؤسسي”.
ثم استرسل قائلا: “أظهرت ظروف إجراء الاستفتاء أن نوايا النظام لم تكن تتجه إلى تمكين البلاد من تطور مؤسسي يسمح لها بالانفتاح على العصر الديمقراطي، بل تصرف على أساس عزل الديناميات عن بعضها بعض حتى لا تصب في الحركة، واقترح صفقة عامة للفاعلين بعدم المشاركة في الحركة وحل مشاكلهم كلٍّ على حدة، وأول من التقط هذه الإشارة حزب العدالة والتنمية”، وبالتوازي مع هذا جرى التعامل مع الحراك عبر خمس مراحل، هي: “التشويه والمحاصرة، المغازلة، القمع المباشر، ثم القمع بالوكالة، وصولا إلى الانتقام اللاحق وتصفية الحساب”.
ورغم أن “20 فبراير” قد “صنعت الحدث، وعبأت ما لم يعبّئه حزب أو نقابة، وعمقت التسييس الشبابي، ووضعت مطالب متكاملة خلفيتها الانتقال، ودفعت النظام إلى تنازلات طال انتظارها”، إلا أنها “كانت تشكو من ضعف، هو أن الكتلة الحرجة من المواطنين لم تشارك، والأطراف المشاركة فيها لم يكن لها تصور عام مشترك حول المسألة الدستورية والديمقراطية، مما نتج عنه غموض في الشعارات”.
واصطدم هذا، وفق الأكاديمي محمد الساسي، بـ”انقسام بين الطبقة المتوسطة التي أغراها شعار بنكيران: الإصلاح في إطار الاستقرار، وفئة شاركت في الحركة، وفئة غالبة لم تشارك”، وهكذا “لم تنجح حركة 20 فبراير في التحول إلى نواة للانتقال (إلى الديمقراطية)، وأصيبت بضعف عام بعد خروج (جماعة) العدل والإحسان وصعود بنكيران (إلى رئاسة الحكومة)”.
المصدر: وكالات