قدم الكاتب والمحلل السياسي محمد الطائع قراءة أولية للمشهد الحزبي والسياسي في فرنسا، عشية تنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها، وعلاقة الجالية المغربية بنتائج الاقتراع، لخصها في 3 نتائج مركزية، أولها تأجيل زيارة رئيس الحكومة الفرنسية “كابرييل أطال” الى المغرب، إلى جانب خصوصية الانتخابات التشريعية الفرنسية التي تأتي في ظل الحضور الوازن والمؤثر للملفات الدولية مقابل نظيرتها الوطنية، وتواجد الجالية المغربية أمام 3 كتل سياسية.
وأضاف الطائع ضمن مقال معنون بـ “الجالية المغربية بفرنسا: عيد أضحى وسط زوبعة سياسية غير مسبوقة”، أن صعود اليمين المتطرف، المرشح لحصد نتائج غير مسبوقة في الانتخابات، لا يخدم مصالح الجالية المغربية، مرجعا ذلك إلى القناعة الأيديولوجية لأحزابه التي تنهل من قاموس كراهية المهاجرين، وخاصة المغاربيين.
نص المقال:
غالبا ما تنتهز أحزاب اليمين في أوروبا، وفرنسا على وجه التخصيص، مناسبة احتفال غالبية الجالية المسلمة بعيد الأضحى للنيل منها، وتحويل لحظة دينية مقرونة بشعائر تعبدية وإيمانية إلى فرصة لقنص لأصوات والتهجم على أفراد الجالية واستفزازهم، وفي أحسن الأحوال التضييق على طقوس عيد الأضحى.
احتفالات عيد الأضحى هذا العام 2024 ستكون بطعم خاص ومختلف، إذ إن مناسبة “العيد الكبير” تتزامن مع انطلاق حملة انتخابية لانتخاب أعضاء الجمعية الوطنية الفرنسية، المزمع إجراء دورها الأول يوم 30 يونيو القادم. لقد أدخل الرئيس الفرنسي “إمانويل ماكرون” فرنسا برمتها في زوبعة سياسية ومغامرة كبيرة غير مضمونة العواقب، بعد حله الجمعية الوطنية بتاريخ 9 يونيو الجاري، إثر صدمة نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة، التي أعطت نتائجها تفوقا كبيرا لـ “مارين لوبين” و”جردان برديله”، وعبرهما حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف، بنسبة أصوات تزيد عن 31 في المائة، أي تم حصد 30 مقعدا من أصل 720 مقعدا يتشكل منها البرلمان الأوروبي.
الجالية المغربية المقيمة بفرنسا، وهي تتأهب لاحتفالات عيد الأضحى هذه السنة، وجدت نفسها على حين غرة بين مطرقة ضغط انتخابات تشريعية سابقة لأوانها وفجائية، يخيم عليها تسيد اليمين المتطرف، وبين سندان الاحتفالات. جل أفراد الجالية المغربية لا يحفظون الكثير من الود لحزب “التجمع الوطني”، فيما كانت أصوات الجاليات المقيمة بفرنسا تتوزع في عمومها بين أحزاب اليسار والجمهوريين ونشطاء البيئة.
صعود اليمين المتطرف في فرنسا، وهو المرشح بقوة لحصد نتائج غير مسبوقة في الانتخابات السابقة لأوانها يوم 30 يونيو، أقلق الجالية المغربية بفرنسا، خصوصا أن القناعة الأيديولوجية لهذا الحزب ترتكز وتنهل أساسا من معين كراهية المهاجرين، وخاصة المغاربيين، الذين يتم تحميلهم الكثير من التدهور الذي تعيشه فرنسا على كثير من الأصعدة.
وفي قراءة أولية وتحليل للمشهد الحزبي والسياسي في فرنسا، عشية تنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها، وعلاقة الجالية المغربية بنتائج الاقتراع، نستشف ثلاثة نتائج مركزية:
1 تم تأجيل زيارة رئيس الحكومة الفرنسية “كابرييل أطال” إلى المغرب ومعها لقاءات موازية لبحث سبل تعزيز الشراكة والصداقة بين الدولتين، في سياق إعادة الدفء إلى العلاقة بينهما، بعد أشهر عديدة من الجفاء. وبالتالي فقد توقفت إلى حين عجلة البت وتفصيل الكثير من الملفات التي تهم آفاق الشراكة المتجددة في أكثر من مجال وقطاع، في ما يخدم مصلحة البلدين والشعبين.
2. ستجد الجالية المغربية نفسها أمام ثلاث كتل سياسية؛ تيار اليمين بقيادة “مارين لوبين”، وتيار اليسار بقيادة “جون لوك مولينشون”، زعيم حزب “فرنسا الأبية”، وتيار الرئيس “إيمانويل ماكرون”. ومهما كانت النتائج النهائية في الدور الثاني يوم 7 يوليوز القادم فإن وصول اليمين المتطرف الى سدة الحكم، وهو مرجح حسب استطلاعات الرأي، لن يكون في صالح الجالية المغربية. وفي حالة فوز اليساريين وعدم قدرتهم على حصد الأغلبية المطلقة، حسب استطلاعات الرأي نفسها، سيقوى الجناح اليميني في حزب رئيس الدولة “إيمانويل ماكرون”.
وفي جميع الحالات فإن الرئيس “إيمانويل ماكرون” مجبر على التعايش السياسي إما مع رئيس حكومة يساري وإما مع رئيس حكومي يميني، ما يعني أن مستقبل فرنسا على المحك؛ فيما كل السيناريوهات إلى حدود كتابة هذه السطور لا تخدم مصالح الجالية المغربية.
3. خصوصية هذه الانتخابات التشريعية الفرنسية هي الحضور الوازن والمؤثر بشكل غير مسبوق للملفات الدولية على نظيرتها الوطنية، فحرب غزة تلقي بالكثير من الظلال على هذه الانتخابات، خاصة من جهة اليسار، والحرب في أوكرانيا من جهة اليمين، واستمرار هيمنة حلف الناتو، مع الطرح الوحدوي الأوروبي الذي يدافع عنه الرئيس ماكرون، رغم كل التحفظات السيادية المثارة بشأنه. في هذا الإطار نسجل ارتباكا وتجييشا منقطع النظير للوبي اليهودي في فرنسا، وهو لوبي قوي ونافذ يسيطر على القطاعات الحيوية، كالمال، الإعلام، الفن، والثقافة الخ. فاللوبي اليهودي الفرنسي (الموالي في معظمه لأطروحة بنيامين نتانياهو)، يحاول بكل إمكانياته وأوراقه إقحام تهمة “معاداة السامية” في قلب الانتخابات التشريعية الفرنسية، لقطع الطريق على اليساري “جون لوك ميلونشون”، وكذلك الضغط على اليمينة مارين لوبين لتقديم الكثير من التنازلات.
هي إذن مغامرة انتخابية تعيشها فرنسا، وغليان حزبي، وسط تجاذبات عاصفة و”صادمة” تكسر كل القواعد القديمة في اللعبة السياسية الفرنسية، ما يجعل من هذه الانتخابات ليس فقط مهمة ومركزية في تاريخ الجمهورية الخامسة، بل في عموم أوروبا والعالم. ونظرا لطبيعة العلاقات المغربية الفرنسية التاريخية والقوية، والحضور الوازن للجالية المغرب بفرنسا، فمن الطبيعي أن يراقب المغرب والمغاربة عن كثب مجريات الزلزال السياسي في فرنسا.
فالرئيس “إمانويل ماكرون”، الغر سنا وتجربة سياسية، الذي انتخب رئيسا لفرنسا يوم 7 أبريل 2017، وأعيد انتخابه في شهر أبريل 2022 لولاية رئاسية ثانية، في مواجهة اليساري “ميلونشون” واليمينية “لوبين”، والذي بشر بنهاية اليمين واليسار بعد احتواء متوهم وظرفي، ذلكم الرئيس الذي كان يتمختر بين أهرامات متحف اللوفر، مزهوا بنفسه، منتشيا بفوزه، أصبح اليوم “مقامرا” بمستقبله السياسي وبمصير فرنسا. لقد هوت شعبية “إمانويل ماكرون” إلى أدنى الحدود، بل أصبح “ممنوعا” من الظهور في التجمعات الانتخابية لحزبه، إذ إن الكثير من رفاقه بالأمس يطلبون منه التواري عن الأنظار، لكونه سبب “النكسة”.
ليس من خيار للجالية المغربية بفرنسا إلاَ تدبير الزمن الانتخابي بنباهة وعدم السقوط في الاستفزازات العنصرية. وفي هذا الباب يمكن القول إن الجالية المغربية أضحت واحدة من أهم وأقوى الجالية الأجنبية المقيمة بفرنسا، ومرد ذلك إلى إستراتيجية الصمود الدبلوماسي المغربي، وجدارة التفوق الأمني للمملكة الذي لا يتردد كل الساسة الفرنسيين باختلاف وتعدد مشاربهم الحزبية، وحتى غير المسيسين، المتعاقبين على بلاطوهات القنوات الفرنسية، في الإشادة به. لقد برعت الدبلوماسية المغربية في التعاطي مع مختلف الإكراهات الدولية، بمرونة تارة وبحزم تارة أخرى؛ هذا فضلا عن الدينامية الاقتصادية التي يعرفها المغرب. فخلال زيارتهما إلى المملكة أبريل 2023 وأكتوبر من السنة نفسها أشاد كل من “أريك سيوطي”، زعيم حزب الجمهوريين، الذي يعيش صعوبات تنظيمية حاليا بسبب رغبته في التحالف مع “مارين لوبين”، و”جون لوك ميلونشون”، زعيم حزب “فرنسا الأبية”، الذي يواجه فيتو إسرائيليا ضاغطا للغاية.. قلت أشاد القياديان الفرنسيان معا بمكانة المغرب كدولة وبقيمة الجالية المغربية في رقعة الشطرنج الفرنسية .
وبغض النظر عن مخرجات الانتخابات السابقة لأوانها في فرنسا، وفي غمرة تنظيم دورة الألعاب الأولمبية، تبقى ملفات الأمن، الهجرة، مواجهة التضخم، وقف النزيف الاجتماعي، والتشغيل، عناوين كبرى للحملات الانتخابية الجارية على قدم وساق، وهي في نهاية المطاف شأن داخلي فرنسي.
بيد أن التفكير في مستقبل آخر للجالية المغربية، المرشح للكثير من التغيرات، بما فيها فرضيات العودة للبلاد وتضييق العيش بدعوى عدم الاندماج، وما يطرحه ذلك من تراجع في مكاسب اجتماعية واقتصادية معتبرة من العملة الصعبة، أصبح حتميا للخوض في البدائل الممكنة. وفي انتظار رؤية الدخان الأبيض .. وإعلان النتائج النهائية، حان وقت إعادة النظر في سياسة الهجرة والرهان عليها، خاصة أن البلاد أضحت قوة إقليمية صاعدة وواعدة وبشهادة الجميع.
وإلى ذلك، وفي انتظار بلاغات وبيانات الإليزيه وذهاقنته، وجب القول إن الانتخابات التشريعية الفرنسية السابقة لأوانها، الدائرة رحاها اليوم، جديرة بالمتابعة والدروس. عيد مبارك سعيد لكل أفراد الجالية المغربية بالخارج.
المصدر: وكالات