يطوي المغرب كباقي دول العالم صفحة سنة 2023 ويستعد لاستقبال 2024 وسط تحديات كبرى تواجه العالم، من أبرزها التغيرات المناخية والتقلبات الطبيعية التي تجد المملكة نفسها وسط تقلباتها الشديدة؛ سنة كان الجفاف وزلزال الحوز المدمر علامتين سوداوين طبعتاها ويعتبرها كثير المغاربة سنة للنسيان.
فخلال 2023 تواصلت معاناة ساكنة كثير من المدن والمناطق الريفية مع الجفاف الذي بات معطى هيكلياً يدفع البلاد نحو الكثير من التغيرات الاجتماعية والاقتصادية، التي يطغى عليها تراجع القطاع الفلاحي وتأثره الشديد بتداعيات التغيرات المناخية التي تواجه البلاد لسنوات متوالية.
قساوة التغيرات المناخية ضاعف من شدة وقعها وحدته زلزال الحوز المدمر، الذي ضرب مناطق شاسعة وخلف خسائر كبيرة في الأرواح وهدم قرى بأكملها في الأطلس الكبير، فاتحا جرحا جديدا في الجسم الاقتصادي والاجتماعي الموشوم بالصعوبة والتعقيد والتحديات المتنامية.
قسوة الجفاف
في قراءته للموضوع، يرى الخبير الاقتصادي إدريس الفينة أن المغرب يتعرض منذ سنوات لـ”جفاف قاس سيؤثر على القطاع الفلاحي وسيكون له تأثير على جميع مناحي الحياة بالمغرب”، مؤكدا أن هذا الوضع سيجعل “الحياة في المدن صعبة شيئا ما، وسيؤثر على القطاع الفلاحي وعلى الساكنة القروية والمنتوج الفلاحي الموجه إلى السوق الداخلية وإلى التصدير”.
وأضاف الفينة، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن هذه التغيرات المناخية سيكون لها “انعكاس على الهجرة القروية الكبيرة نحو المدن التي ستصاحب الجفاف”، مبرزا أن توجه المغرب نحو تشييد محطات تحلية مياه البحر “سياسة ينبغي أن يتم تسريعها؛ لأنها الحل الوحيد أمامنا، ويجب أن توضع لها خطة واضحة”.
وسجل الخبير الاقتصادي أن “ما يتم إنجازه في إطار تحلية مياه البحر لا يدخل في إطار منظور واضح، ونحتاج إلى خطة مصحوبة بعدد من الإجراءات المواكبة لها”، وذلك من أجل تجاوز تداعيات الأزمة والوضع الصعب الذي تعيشه البلاد بسبب ضعف وقلة الموارد المائية.
تحديات صعبة
بالنسبة للزلزال، اعتبر الفينة أنه، على عكس الجفاف، يمثل فرصة وإضافة إيجابية، وقال: “بعد الزلزال، تظهر الآثار الإيجابية وليس السلبية، لأنه مع صندوق مواجهة آثار الزلزال الذي كان نتيجة مساعدات وتضامن سيتم استثمار موارده في البنيات التحتية وسيتم تحريك الاقتصاد”، مشددا على أن الزلزال “سيكون له مفعول إيجابي عكس الجفاف الذي له مفعول سلبي على الاقتصاد”.
كما أوضح المحلل الاقتصادي ذاته أن إعادة إعمار مناطق الزلزال وتأسيس البنيات التحتية والاستثمار فيها عامل “سـيؤثر بشكل إيجابي على النمو”، متوقعا أن تواجه الحكومة خلال 2024 “سنة محورية وصعبة مليئة بالتحديات، تتطلب حزما كبيرا من طرف الحكومة ورؤية إبداعية؛ لأن التحديات التي تواجه المغرب داخليا وخارجيا جد كبيرة وصعبة”، حسب تعبيره.
وأشار المتحدث لهسبريس إلى أن قانون المالية لسنة 2024 جاء بمجموعة من الإجراءات الضريبية التي ستخلق “نوعا من الضغط الضريبي على المقاولات، وسيكون هناك تأثير سلبي عليها، وبالتالي على استثماراتها وتشغيلها”، متوقعا أن تواجه المقاولات تحديات “كبيرة، خصوصا إذا استمرت موجة غلاء البترول في السوق الدولية؛ لأن العالم يواجه اليوم مجموعة من المخاطر الكبيرة”.
وزاد الفينة مبينا أن “إغلاق ممر البحر الأحمر وكلفته الكبيرة، ولا نعلم إلى متى سيستمر، وانعدام الاستقرار في الشرق الأوسط، سيكون لهما تأثير كبير على سعر البترول، ما سينعكس على المغرب ويخلق تضخما إضافيا”، مشددا على أن انعكاسات ذلك هو أن “الأسر تعاني في صمت كبير وتواجه تداعيات”، معتبرا أن “الدعم المباشر للأسر سيخفف شيئا ما، الدولة فكرت في الأسر الفقيرة”.
آثار اجتماعية وصحية
أفاد محمد بنعبو، خبير في المناخ والتنمية المستدامة، بأن المغرب أصبح يعيش “مناخا جافا خلال فصل الشتاء، وحارا يبدأ في فصل الربيع إلى حدود فصل الخريف، وتابعنا كيف أن مارس وأبريل الماضيين سجلا درجات حرارة تخطت 43 درجة في مجموعة من المناطق، أثرت بشكل كبير على المنتوج الفلاحي والموارد المائية السطحية وعلى الحياة الاجتماعية والاقتصادية بشكل عام”.
وأكد بنعبو، في تصريح لهسبريس، أن التغير المناخي بات اليوم “يمس ويؤثر بشكل مباشر على جيل من المواطنين، ودراسة صندوق التنمية الإفريقي بينت بالملموس أن المواطن المغربي اليوم أصبح يعي جيدا أن التغيرات المناخية تؤثر بشكل مباشر على الحياة اليومية في شقها الاجتماعي والاقتصادي”، معتبرا أن تأخر الأمطار “أثر بشكل كبير على عدد مهم من المشاريع الفلاحية الكبرى التي تشغل ثلثي اليد العاملة النشطة وتساهم بـ14 بالمائة من الناتج الداخلي الخام للمملكة”.
وأشار الخبير في المناخ والتنمية المستدامة إلى أن القطاع الفلاحي يبقى “من القطاعات الحيوية التي تتأثر بضعف الموارد المائية والتغيرات المناخية بشكل كبير”، مبرزا أن نموذج المناخ الجديد الذي أصبح يعيش على إيقاعه المغرب في السنوات الأخيرة ويمكن أن يواجهه في المستقبل، هو الجفاف وتأخر الأمطار، “لأننا نتكلم اليوم عن تغيرات مناخية إما تأتي بموجات حرارة كبيرة تتلف جل المحاصيل الفلاحية وتؤثر على صحة وسلامة المواطنين، خصوصا الفئات الهشة مثل الأطفال والرضع والمسنين، أو بسقوط كميات كبيرة من الأمطار يصعب تعبئتها بشكل كامل وتكون تأثيراتها كبيرة على البنيات التحتية والممتلكات والأرواح”.
وزاد بعبو موضحا أن السيناريوهات التي يسير فيها المغرب ستنعكس بشكل سلبي على “المستوى الاجتماعي في جيل من الأسر المغربية، وتضعف الكثير من المواد والمنتجات الضرورية والأساسية”، محذرا من أن ارتفاع درجات الحرارة سيؤثر على “الصحة والسلامة، ويؤدي إلى لسعات شمس قد تؤدي إلى العديد من الوفيات في بلدان أخرى”، معبرا عن أسفه إلى أن المغرب “لا يتوفر على الإمكانيات اللازمة لمعرفة ما إذا كان ارتفاع درجات الحرارة سببا يؤدي إلى الوفاة مثل ما يحدث في أوروبا وبلدان أمريكا الشمالية التي تعلن إحصائيات بهذا الخصوص”.
المصدر: وكالات