نقاش مستفيض حول “النوع الاجتماعي والثقافة والعنف في المغرب” بصَم أشغال اليوم الأول من “المؤتمر الدولي للنساء الإفريقيات في الإعلام” AWIM2022، في دورته السادسة بفاس، مساء الخميس؛ حيث أجمع فاعلون أكاديميون وخبراء في جلسة نقاش على أهمية وسائط الإعلام الجديدة في التوعية والتحسيس بمخاطر العنف القائم على النوع الاجتماعي.
فاطمة صديقي، الأستاذة الجامعية في تخصص دراسات الجندر وعلم اللسانيات بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، سجلت أن التأمل العميق في المشهد الإعلامي يكشف عن كونه “مؤنَّثاً إلى حد كبير، إذ تظل المرأة موجودة فيه رقمياً وبكثرة”، قبل أن تستدرك بالقول: “لكن عندما تبحث أكثر وتتعمق في الوجود النسائي بالإعلام، نجد أنهن يُقاوِمْن ضغوطات كثيرة قد لا تبدو لمتتبع المشهد النسائي في الإعلام”.
“طابوهات تمكين المرأة إعلاميا”
وأضافت صديقي، التي ترأس “مركز إيزيس للمرأة والتنمية”، في تصريح خصّت به جريدة هسبريس الإلكترونية على هامش الجلسة النقاشية، أن “من أبرز الخلاصات التي توصلت إليها مداخلات المشاركين تأكيد استمرار وجود طابوهات مازالت في أذهاننا رجالا ونساءً، حول تمكين المرأة في ميدان الإعلام”، موضحة أن “التمكين يعني، هنا، أن تكون هي صاحبة القرار في مجال يظل على العموم ميداناً ذا هيمنة للرجال، رغم وجودها الرقمي والعددي في الميدان”.
وأكدت الجامعية ذاتها “مقاربة جلسة النقاش بعض جوانب ومظاهر التهميش التي تطال النساء في الإعلام أو من خلاله”، لافتة الانتباه إلى أنها “ثقافة ليست منبثقة من الدين بالضرورة، بل هي ثقافة ذكورية نرسّخها كمجتمع”.
“يجب علينا أن نغيّر كيفية فهم هذه التحديات، ما يعني اشتغالاً أكثر على كيفية تعاملنا مع هذا التهميش”، تتابع صديقي، مشددة على أنه “لا يجب النظر إلى الرجل كعدوّ، بل بفكرة مفادها أنه لا يمكن تحقيق الديمقراطية والتعددية بدون إشراك المرأة، وهو اتجاه إيجابي للحلول من زاوية بناءة”، ما ينبغي معه “حُسن توظيف حقوق المرأة، ما يمكننا أن نتقدم أكثر كمجتمع”.
وخلصت المتحدثة: “إننا إيجابيون في التعاطي مع أشياء تضغط أكثر على المرأة من الرجل؛ لأن المرأة حين تخرج للعمل في الإعلام تأخذ معها الإحساس بالذنب، نظرا لتعدد مسؤولياتها بين البيت وخارجه”، خاتمة بتسجيل “حضور جد مشرّف المرأة في الإعلام؛ ونبتغي لها أن تصل أكثر إلى مراكز القرار وتُعطى الفرصة كي تبدع في الإعلام باعتبارها امرأة، وليس بالضرورة أن تكون تابعة للرجل في هذا الصدد، نظرا لسهولة حسّها التواصلي بطبيعتها مقارنة مع الذكور”.
تمثلات ثقافية “خاطئة”
من جهتها، بسطت حياة نصيري، أستاذة جامعية في دراسات النوع واللسانيات عن جامعة السلطان مولاي سليمان بني ملال، ضمن مداخلتها أبرز “التمثلات الخاطئة تجاه المرأة في الثقافة المغربية”، مسجلة أنه “رغم أن المرأة المغربية سعت إلى التمرد وتغيير مكانتها داخل المجتمع والحصول على مكانة أعلى سياسيا واقتصاديا وتعليميا، إلا أنها مازالت مضطرة للتخلف عن الركب”.
نصيري اعتبرت ذلك مؤشرا واضحا على “الحاجة إلى مجهود مضاعف”؛ إذ “مازالت مؤسسات الدولة وصانعو السياسات والباحثون والمجتمع المدني بحاجة إلى زيادة الجهود لمكافحة انتشار أنواع مختلفة من العنف ضد المرأة”، على حد تعبيرها.
وحسب المتحدثة ذاتها فإن “من أخطر أنواع العنف ضد المرأة المنتشرة في السياق المغربي العنف المنزلي، لاسيما ضد الزوجات، فضلا عن تمثلات تصاغ حول المرأة المطلقة والبنت العانس، لاسيما في الوسط القروي (محاصرة بأوصاف قدحية تُنقص من كرامتها)”.
وأضافت نصيري، في تصريح لهسبريس، أن “تزويج القاصرات يعتبر عنفا مؤكدا ضد الفتاة المغربية، لأنه يحرمها من أول حقوقها، أي التمدرس والتعليم”، مع حرمانها من تحمل مسؤولية قراراتها؛ مضيفة أن “الأمّية تعد أيضا من أنواع العنف الممارس مجتمعيا ضد الإناث، لاسيما في المجال القروي”.
“إن التمثيل المهيمن للثقافة الأبوية يُلاحَظ، بوضوح، في طريقة تشخيص الشخصيات النسائية ومعاملتها في بعض الأفلام المغربية”، سجلت المتخصصة في دراسات النوع، قبل أن تؤكد أن “بعض الأفلام تعكس الصورة المشوهة للمرأة المغربية”؛ وخلصت إلى ربط التمثلات الخاطئة بالإعلام، لاسيما في بعض الأفلام المغربية التي تقوّي هذه النظرة إلى المرأة المغربية، موردة مثال “الزين اللي فيك” و”حياة”، وموصية الإعلام، باعتباره وسيلة تتوجه إلى فئات متعددة وعريضة، ألا يعيد إنتاج هذه النظرة الدونية للمرأة.
“التكنولوجيا تناهض العنف ضد المرأة”
مداخلة موحى الناجي، أستاذ باحث في اللسانيات والنوع الاجتماعي بجامعة فاس، ركزت على “كيفية استعمال التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة (لاسيما شبكات التواصل الاجتماعي) من أجل مناهضة العنف ضد المرأة، لاسيما تلك العاملة في الإعلام.
وألقى الناجي نظرة شمولية وتاريخية حول المنجزات التي حققها المغرب في مجال حقوق النساء؛ بداية من إصلاح مدونة الأسرة وتعديلات قانونية أخرى (إلغاء الفصل 475 من القانون الجنائي، وتجريم التحرش الجنسي)، وكذا دور الجمعيات النسائية والمجتمع المدني في رفع المستوى الحقوقي للنساء.
كما شدد المتحدث على أن أبرز خلاصات النقاش تتعلق بأنه “يمكن محاربة العنف ضد المرأة بتوظيف أمثل للتكنولوجيات الجديدة، خصوصا وسائل التواصل الاجتماعي، باعتبارها أدوات مهمة متاحة للجميع بكلفة قليلة، يمكن استعمالها لفائدة النساء للتحسيس بخطورة العنف وأهمية المساواة، فضلا عن تعليم الناشئة”.
المصدر: وكالات