قراءة مواد بعض الأسبوعيات نستهلها من “المشعل”، التي تساءلت بالقول: “هل أصبح إهدار المال العام في سفريات عقيمة وتعويضات سخية لا فائدة منها مفتاحا سحريا بأيدي بعض الوزراء ورؤساء المجالس المنتخبة الراغبين في إرضاء كبار الموظفين داخل المرافق العمومية التي يرأسونها؟”.
يأتي ذلك على صدى الضجة التي أثارتها مؤخرا ليلى بنعلي، وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، جراء ترؤسها لوفد قياسي يضم 823 عضوا، شارك بكل هذا العدد الضخم في مؤتمر المناخ “كوب 28” الذي انعقد بدبي الإماراتية، حيث استنزف أعضاء هذه البعثة ما يزيد عن 12 مليون درهم.
في هذا الصدد، عبر يونس بوبكري، المنسق الجهوي للهيئة الوطنية لحماية المال العام والشفافية، في تصريح لـ”المشعل”، عن أسفه لرؤية مسؤولين كبار من طينة وزراء ورؤساء مجالس منتخبة يشجعون على إهدار المال بقرارات لا تعود بالنفع التنموي على البلاد والعباد.
وفي الملف ذاته ذكّرت “المشعل” بأقوى مشاهد الهدر المالي في سفريات شكلية برمجتها وزارات ومجالس جماعات ترابية لفائدة وفود وبعثات نحو الخارج، أثارت الجدل في أوساط إعلامية وحقوقية.
وأشارت “المشعل”، أيضا، إلى ما حدث في مجلس العاصمة الرباط، جراء الجدل الذي أثارته الرئيسة أغلالو من خلال مضاعفتها لمبالغ هذا “الريع”، في ميزانية العام الجاري 2023، حيث رفعت الغلاف المالي المخصص لتنقل مستشاري المجلس داخل المغرب من 20 مليون سنتيم إلى 60 مليون سنتيم، في الوقت الذي قفزت فيه مصاريف “المهمة” بالخارج من “صفر درهم” إلى 20 مليون سنتيم.
كما خصصت أغلالو مبلغ 40 مليون سنتيم كمصاريف تنقل الرئيس والمستشارين بالخارج بدلا من 10 ملايين في الميزانية السابقة. كما خصصت 30 مليون سنتيم كمصاريف “جيب” تحت غطاء مهمة بالخارج للرئيس والمستشارين، في ظل تهافت عدد من منتخبي الأغلبية على الاستفادة من “كعكة السفريات” التي تحولت إلى “ريع” تتحكم فيه العمدة وسط انتقادات تؤكد أن المجلس الجماعي قد تحول في عهدها لوكالة أسفار. وقس على ذلك مجالس مدن فاس ومراكش والدار البيضاء، إلى جانب بعض مجالس الجهات التي بددت المال العام في تنظيم رحلات وسفريات متعددة، وفي ظرف زمني قصير؛ وهي الاختلالات التي وقف عليها تقرير صادر عن المفتشية العامة لوزارة الداخلية في صيف 2017 واتخذت في شأنها قرارات، أضافت “المشعل”.
“الأسبوع الصحفي” أوردت، من جهتها، أن فعاليات محلية وساكنة حي تابريكت بمدينة سلا اتهمت العمدة عمر السنتيسي بتشجيع انتشار مقاهي “الشيشة” على صعيد المقاطعة وبعض أحياء المدينة، وعدم قيامه باتخاذ قرار لإغلاق المقاهي الخارجة عن القانون والتي تقدم هذه الآفة للشباب والشابات.
وأضافت “الأسبوع الصحفي” أنه بالرغم من شكاية السكان، فإن رئيس الجماعة الحضرية لم يتخذ أي قرار يقضي بإغلاق مقاهي “الشيشة”، لكون صاحب إحدى المقاهي قريب مستشارة نافذة في مجلس المدينة تمارس ثقلها وضغوطاتها لكي لا يتم إغلاق المقهى وسبق أن دافعت عنه خلال دورة المجلس دون أن تستحضر الآثار السلبية لمقاهي “الشيشة” على المجتمع.
“الأسبوع الصحفي” نشرت، كذلك، أن نبيلة منيب، البرلمانية عن حزب الاشتراكي الموحد، هاجمت مسؤولي الحكومة بسبب الاستمرار في الاقتطاعات لنساء ورجال التعليم المضربين عن العمل. وقالت منيب، في صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، إن بعض المسؤولين الحكوميين يعتبرون أن الاقتطاعات تبرز هيبة الدولة، وأنهم يضعون الدولة في مقابل كتلة من المواطنين لهم حقوق ومطالب”. وأضافت البرلمانية عن حزب الاشتراكي الموحد أن هؤلاء المسؤولين ينصبون الدولة طرفا في ملف مطلبي بالأساس غايته إصلاح الظروف الشخصية للعاملين في قطاع التربية والتعليم.
من جانبها، كتبت “الوطن الآن” أن أغلب المتورطين في ملفات الفساد هم أعضاء قياديون في أحزابهم، جهويا أو مركزيا؛ وهو ما يعني أن الفساد تحول إلى قوة سياسية تتبارى في الانتخابات، وتتنافس من أجل الوصول إلى مناصب حكومية مفصلية أو على الأقل إلى مناصب محلية.
في السياق ذاته، أرود محمد جدري، مدير مرصد العمل الحكومي وخبير اقتصادي، أتمنى لا تكون حملة محاربة الفساد حملة عابرة. وقال يوسف بونوال، دكتور في القانون العام وعضو المجلس الوطني للحركة الشعبية: “ونحن نودع سنة 2023، نستحضر أحداثا قوية تؤرخ لمرحلة جديدة شعارها محاربة الفساد والمفسدين وناهبي المال العام؛ البعض قد يقول هذا شعار مرحلي وحملة كباقي الحملات الظرفية سيخفت ضوؤها وسيحتشم صوتها مع الوقت، البعض الآخر يرى فيما يقع تفعيلا للقانون ومعاقبة كل مخالف حسب درجة الفعل بدون قراءات جانبية أو تأويلات تخوض في مواضيع ذات بعد سياسي مرتبط بأشخاص أو بمؤسسات بعينها.
وأفادت لبنى نجيب، الكاتبة العامة للنقابة الوطنية لأعوان الحراسة الخاصة والنظافة والطبخ، بأنه لا بد من تعميم حملة الاعتقالات لتشمل جميع الفاسدين.
وسجل رشيد لبكر، أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق التابعة لجامعة شعيب الدكالي، أن الأحزاب مسؤولة عن التصرفات غير القانونية التي تصدر ممن منحتهم ثقتها.
وإلى أحمد بوز، أستاذ علم السياسة والقانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط، الذي قال: “للدولة أن تقطع مع هذه الكائنات الانتخابية لما تشكله هذه الأخيرة من مساس بالديمقراطية.
أما محمد العمراني بوخبزة، أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق تطوان، فيرى أن تفجر ملفات الفساد يفضي بنا إلى المساس بسمعة وصورة المؤسسات والبلد ككل.
وأفاد جمال فكري، باحث في التواصل السياسي، بأن الاعتقالات الأخيرة إشارات واضحة وصريحة إلى سمو القانون المغربي.
وتعليقا على الموضوع، قال الحقوقي محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، إن معضلة المغرب تكمن في حرص نخبه السياسية على استمرار مظاهر الريع في كل مناحي الحياة العامة؛ لذلك، تجد العديد من مسؤولي القطاعات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية يحرصون على إهدار المال العام بشكل سخي في تنظيم السفريات والتنقلات والحفلات وشراء السيارات والهدايا، وغير ذلك من أوجه هدر الأموال العمومية بشكل مستفز للرأي العام.
المصدر: وكالات