قال ريكاردو دييز هوشلايتنر رودريغيز، سفير إسبانيا بالمغرب، إن الأخير “أكثر البلدان التي أثرت في تاريخ وهوية إسبانيا”، كما أن “إسبانيا أثرت بشكل واضح في الهوية المغربية”.
جاء هذا في ندوة دولية نظمتها أكاديمية المملكة المغربية، يومي الأربعاء والخميس 28 و29 شتنبر الجاري، بالعاصمة الرباط، بعنوان “المغرب والميراث الأندلسي في السودان الغربي”، أي في المنطقة التي توجد بها اليوم موريتانيا والسنغال ومالي.
وذكر السفير الإسباني أن “علاقة استثنائية تجمع الجارَين لا يمكن تشبيهها بعلاقة أخرى”، نظرا لوجود “نفس الروح بينهما”، بفضل “جوار ضارب في القدم (…) جعلنا نبني تراثا مشتركا، هو من الروافد الأهم لهوية الشعبين”.
وتابع السفير: “نحن محظوظون لأننا يمكن أن نستمع خلال يومين لمحاضرين كبار، من العلماء (…) ونحن في حاجة إليهم لما فيه مصلحة العلاقات بين البلدين، ولاكتشاف الجذور المشتركة التي تجمعنا”، خاصة “وقد شرعنا في مرحلة جديدة من العلاقات بين بلدينا، بعد الإعلان المشترك، وهذه العلاقة تقوم الآن على معطيات غير مسبوقة، والثقافة والتعارف ينبغي أن يكونا عاملا مهما وحاسما”.
واستدرك ريكاردو دييز هوشلايتنر رودريغيز قائلا: “مع الأسف، لا نعرف بعضنا البعض بشكل جيد، لكن تجمعنا قواسم مشتركة يجب أن تدفع الجميع للتعرف عليها (…) لدعم العلاقات الثنائية”.
وعبر السفير ذاته عن إعجابه بعمل الأكاديمية، في ظل تسيير عبد الجليل لحجمري، قبل أن يقول: “هذه الندوة دفعة أخرى تنعش العلاقات بين البلدين”.
عبد الجليل لحجمري، أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية، قال إن قراءة هذا التاريخ المشترك بين المغرب والأندلس والسودان الغربي “أمل لشعوبٍ تسعى إلى مزيد من التقارب والتعاون في كل المجالات”؛ لأن “الحوار سبيلنا الأوحد لتجاوز الصعوبات المتخيَّلة”.
وتطرق لحجمري إلى “العلاقات السودانية المغربية العريقة”، التي “تطورت بعد انتشار الإسلام وتقوية الروابط التجارية مع السودان الغربي، الذي كان مجال استقطاب العناصر الأندلسية التي نزحت إليه، خاصة في عهد المنصور الذهبي”؛ كما تحدث عن “العلاقة التاريخية بين الأندلس والمغرب بين القرن 11 و13، في عهد المرابطين والموحدين، بمسارات اجتماعية وسياسية وثقافية امتدت من شبه الجزيرة الإيبيرية والمغرب إلى السودان الغربي (…) وانصهر فيها التجاري بالديني، حتى حكم المنصور الذهبي المعروف بحملة السودان”.
وذكّر المتحدث ذاته بالوحدة السياسية بين العدوتين التي امتدت إلى النصف الأول من القرن 13، حين “كانت الأندلس امتدادا للدولة المغربية مذهبيا واقتصاديا…”، لتبقى هذه الحقبة “شاهدة على حضارة عربية إسلامية، رغم ما سادها من تهجير قسري وتعصب”.
وعاد أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة إلى مشروعها الحضاري الذي تدعو إليه عبر العديد من ندواتها: “الأفق المتوسطي”، قائلا: “إن بناء علاقة متوسطية لا يمكن أن يتم إلا من خلال الأندلس، ونسيجها الحضاري، وروحها (…) كما لا يمكن الحديث عن الحوار الديني والحضاري دون الأندلس”؛ ثم أجمل قائلا إن هذا الاهتمام، وهذه الدعوات لدراسة الماضي من أجل فهم من نحن؟ ومن أين أتينا؟ وإلى أين نمضي؟ “ليست بمنطق العاطفة المتطلعة إلى فردوس مفقود”، بل هي دعوة “إلى أفق معرفي”.
يذكر أن هذه الندوة، التي اختتمت فعالياتها اليوم الخميس، تنطلق من نصّ الدستور المغربي الذي يعدد من بين مكونات الهوية المغربية الروافد الأندلسية والإفريقية والمتوسطية.
وتذكر الورقة التأطيرية للندوة أن الكثير من الموريسكيين والعلوج انتقلوا بعد سقوط غرناطة إلى شمال إفريقيا، وشغلوا مناصب مهمة في بلاطات سلاطين بلاد المغرب.
وتعود الورقة إلى تأسيس المرابطين والموحدين بين القرنين الحادي عشر والثالث عشر “إمبراطوريتين قويتين تمتدان على رقعة جغرافية شاسعة، تضم الأراضي التي تشمل حاليا شبه الجزيرة الإيبيرية، وبلاد المغرب، وموريتانيا، والسنغال، ومالي”، في مرحلة عرفت “إنشاء طرق تجارية متعددة سمحت بازدهار الحركة التجارية بكل تلك المناطق؛ كما عرفت المرحلة تنقلات بشرية مختلفة”.
وتواصل الوثيقة ذاتها: “تقدر كميات الذهب التي تم نقلها عبر الصحراء، خلال مرحلة حكم المرابطين فقط، بأربعين طنا سنويا، كان تتم مقايضتها بسلع أخرى مثل الملابس، والنحاس، والورق، والجلود، والسيراميك، والصدف، والقمح، والتمر، والملح وغيرها”، وهو ما ازدهرت معه مدن تمر منها القوافل التجارية، “مثل غاو، وأودغشت، وتاغازا، ودجني، وتمبوكتو، وأغمات، وسجلماسة”.
وتنبه الورقة إلى أن “التبادل بين مدن فاس وسجلماسة وتمبوكتو” لم يكن مقتصرا على التجارة، “بل شمل كذلك الجانبين الروحي والثقافي، وهو ما سمح بانتشار تلاوة القرآن على الطريقة المغربية، ناهيك عن انتشار الحَرف العربي، والطرق الصوفية، وموسيقى غناوة التي مازالت إلى اليوم شاهدة على ذلك التواصل الثقافي”.
ولا تقتصر الآثار الأندلسية في منحنى نهر النيجر على “البارود والمحاربين الذين قاموا بغزو المنطقة”، حيث تذكر الورقة أنه “عندما وصل الباشا جودر إلى تمبكتو ربما لم يكن يعلم أن الكثير من بنايات المدينة قام بتصميمها المهندس المعماري والشاعر الغرناطي أبو إسحاق الساحلي، الذي استقر بالمدينة في القرن الرابع عشر (…) وإلى هذه المدينة السودانية وصل منفيون أندلسيون خلال القرن الخامس عشر، من بينهم علي بن زيد القطبي الذي جاء من طليطلة؛ وقد احتُفظ طيلة قرون بخزانته التي تضم مخطوطات نفيسة، تعد خير شاهد على العلاقات التاريخية بين شبه الجزيرة الإيبيرية وإفريقيا الغربية”.
المصدر: وكالات