تعد الأعياد الدينية بالمغرب واحدة من أبرز المناسبات التي تعرف العديد من العادات والطقوس السائدة لدى مختلف المغاربة، خاصة عيد الأضحى الذي يعرف بـ “العيد الكبير”، وترافقه تقاليد أصيلة توارثتها الأجيال وظلت تقاوم النسيان والاندثار في ظل الظروف الاجتماعية والتحولات التي شهدها المجتمع خلال السنوات الأخيرة مع غلاء المعيشة.
وتحاول الأسر المغربية أن تحافظ على المكانة بالغة الأهمية لعيد الأضحى في المتخيل الشعبي، إذ تعرف فترته نشاطا في الحركة التجارية، لاسيما في أسواق بيع الأضاحي والملابس التقليدية والمتاجر المختلفة، وما يصاحب ذلك من طقوس ضاربة في القدم من أجل الاستعداد لهذه المناسبة.
وتعليقا على هذا الموضوع قال ياسين الوزوزي، باحث في علم الاجتماع، في تصريح لهسبريس: “مع حلول مناسبة عيد الأضحى كل سنة يتجدد النقاش حول هذه الشعيرة الدينية في ارتباطها بالوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي تعيشه الأسرة المغربية، وهو الأمر الذي أضحى يتسم براهنية كبيرة، خاصة في السنوات الأخيرة، مع ما يعرفه المجتمع المغربي من تحولات اجتماعية وقيمية بالأساس”.
وحسب الباحث ذاته فإن هذه المناسبة الدينية لا تمثل إحياء لشعيرة دينية فحسب، وإنما تتضمن بعدا اجتماعيا وبعدا اقتصاديا أيضا، على اعتبار ما ترتبط به من قدرة شرائية للأسر المغربية، وحالة الرواج أو الركود الاقتصادي، وحالة الموسم الفلاحي، إلى غير ذلك من العوامل الاقتصادية، مضيفا: “اليوم أضحت الحاجة ملحة إلى إنجاز دراسات سوسيولوجية ميدانية حول ما يرتبط بعيد الأضحى من ظواهر اجتماعية، خاصة في ما يتعلق بالمعيش اليومي للإنسان المغربي”.
وتابع المتحدث ذاته بأن الأضحية شكلت في سياقات مغايرة موضوعا للدراسة الأنثروبولوجية والسوسيولوجية، لكن هذه الدراسات وغيرها تناولت في نظره البعد الطقوسي وما يتعلق بالمعتقد والمماراسات الاجتماعية المرتبطة بالأضحية، موضحا أن “ما يمكن أن الإسهام به في هذا النقاش المرتبط بعيد الأضحى والوضعية الاجتماعية والاقتصادية للأسرة المغربية هو مجموعة من الملاحظات الأولية والتساؤلات في ما يخص البعد الاجتماعي لهذه المناسبة الدينية، أولها مدى حضور ‘الديني le religieu’ ضمن الاحتفال بعيد الأضحى وما يرتبط به من احتفاء بـ’زمن مقدس’ (العشر الأوائل من شهر ذي الحجة، يوم التروية، يوم الوقوف بعرفة، يوم النحر، أيام التشريق)، في ظل الحضور الاجتماعي القوي؛ وذلك على اعتبار ما تشكله هذه المناسبة من ‘محك اجتماعي’ من عدة أوجه، سواء تعلق الأمر باختبار النضج أو حس المسؤولية لدى الإنسان المغربي”، مستحضرا المثل الشعبي “اللي ما يذبح شاتو ويطيب غداتو ويصبن كساتو موتو أحسن حياتو”.
كما قال الوزوزي في تصريحه لهسبريس إن “هناك نقاشا أيضا حول استغناء البعض عن اقتناء الأضحية انطلاقا من مجموعة من المبررات، من قبيل ‘موجة الغلاء’، أو الاستناد إلى مبررات دينية كالقول بعدم وجوب توفير الأضحية؛ مع يرتئيه البعض الآخر من تعويض ذلك بالسفر أو قضاء أيام العيد بأحد الفنادق أو المنتزهات، وهو الأمر الذي يستدعي الوقوف على البعد الاجتماعي والقيمي لهذه الشعيرة الدينية بالنسبة للإنسان المغربي، ويستدعي كذلك القيام بدراسات سوسيولوجية حول ما إذا كان الأمر يتعلق بإكراهات اقتصادية ترخي بظلالها على ‘الديني’ و’الاجتماعي’، أم ببروز ‘قيم جديدة’ وتمثلات اجتماعية وأنماط استهلاك مغايرة بخصوص هذا الموضوع”.
من جهته كشف محسن بنزاكور، الدكتور المتخصص في علم النفس الاجتماعي، أن “هناك عادات مغربية لا تندثر، أولها شراء الأضحية وما يصاحبها من بهجة، والعادة الثانية هي الطبخ”، مبرزا أن “النساء المغربيات لديهن طقوس خاصة في هذا الصدد، لم تندثر لارتباطها بالأضحية نفسها، وتبقى متوارثة بين الأجيال وتلقنها الأمهات لبناتهن”.
وتابع بنزاكور في حديثه لهسبريس بأن “الذي تغير اليوم هو الامتناع عن الأضحية رغم توفر الإمكانيات لدى الطبقة الميسورة، وهذا فيه منطق آخر، وهو أن هؤلاء يفهمون الدين ويعرفون أن الأضحية ليست واجبة، فيفضلون بدائل أخرى، إذ يستغلون أيام العطلة للاستمتاع في الفنادق”.
وأشار الخبير المغربي إلى أنه “عندما خرجت المرأة لسوق العمل لم يغير الرجل أسلوبه، ولم يساعدها في تقاليد وتعب العيد، لذلك أصبحت الأسر تفضل اللجوء إلى الفنادق”، موضحا أن “الدليل على ذلك أن الفنادق أصبحت تستقطب الناس بالإعلانات التي تظهر لهم أن هناك حفاظا على طقوس العيد دون تعب”.
وأضاف المتحدث ذاته في معرض حديثه لهسبريس أنه “من المعروف أن التقاليد تتغير بتغير الوضعية الاجتماعية”، وزاد: “هي تقاليد جميلة لها علاقة بالأعراف المرتبطة بالفرحة والتضامن ومساندة الأسر المعوزة، وهو ما باتت تخلو منه الإقامات السكينة ويحضر في الأحياء الشعبية والبوادي التي تحافظ على منظومة القيم والتقاليد وصلة الرحم”.
وختم بنزاكور: “إن الذي سيحافظ على هذه التقاليد هو أن تنتقل عبر الأجيال، ومن سيكون بعيدا عنها هم أبناء العائلات الميسورة الذين لا يفتحون أعينهم وسط هذه الطقوس ويحتفلون في الفنادق بعيدا عن الأجواء الحميمية للعيد الكبير؛ لذلك هناك احتمال كبير أن يجهل الجيل القادم كل ما سبق، وهنا يتم دق ناقوس الخطر”.
المصدر: وكالات