وسط مدينة ورزازات يقع مركز “بسمة” للأطفال المتخلى عنهم، وهو يستقبل سنويا عددا مهما من هؤلاء الأطفال (مجهولي الهوية أو معروفي الأم البيولوجية)، ويعتبر مكانا آمنا للاهتمام بهؤلاء الأطفال المولودين خارج إطار الزواج.
وتم إحداث مركز “بسمة” ليكون أسرة بديلة وأملا لهذه الفئة لإعادة إدماجها اجتماعيا وتمكينها من المهارات الدراسية وحتى المهنية اللازمة. وهذا المشروع ذو قيمة إنسانية وتضامنية عالية، ومن شأنه أن يساهم في تحسين أوضاع هذه الفئة الاجتماعية.
ويعكس مركز “بسمة” لاستقبال الأطفال المتخلى عنهم، الذي تم إنجازه بدعم من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، الأهمية التي توليها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية للأشخاص في وضعية هشاشة، وتحسين أوضاعهم المعيشية، وحماية حقوقهم الأساسية، لاسيما الحق في حياة كريمة.
وبالمدينة نفسها يوجد مركز “الابتسامة” للأطفال الصبغيين والذهنيين، الذي تم إنجازه أيضا بدعم من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ويروم إدماج أطفال “الثلاثي الصبغي 21” بإقليم ورزازات. وهو مركز يقدم الدعم والرعاية الطبية لهؤلاء الأطفال، خاصة المتحدرين من أسر معوزة، من خلال خدمات علاجية لإعادة التأهيل تروم تيسير اندماجهم في المجتمع.
ويروم هذا المركز الاجتماعي “السوسيو تربوي” إلى العناية بهؤلاء الأطفال صحيا وتربويا واجتماعيا، من خلال حصص دراسية في تقوية النطق والمهارات الحركية والأنشطة الرياضية مثل التأهيل الحركي، النفسي، وغير ذلك من الأنشطة.
جريدة هسبريس الإلكترونية قامت بزيارة للمركزين سالفي الذكر، والتقت بالعديد من المؤطرات، كما زارت الأطفال الصبغيين وكذا الأطفال المتخلى عنهم. هؤلاء بمجرد لمحهم يبكي القلب قبل العين، فهم أطفال في عمر الزهور تخلت عنهم أمهاتهم بدون رحمة هروبا من جحيم “كلام الناس”، متناسيات مصير هاته الأرواح التي تتألم في صمت.
إحصائيات رسمية
في تصريح لهسبريس كشفت حنان السعيدي، مديرة مركز “بسمة” للأطفال المتخلى عنهم بمدينة ورزازات، أن الأطفال المتخلى عنهم الوافدين على المركز خلال الفترة الممتدة من 2017 إلى 2022 بلغ عددهم 100 طفل وطفلة، منهم 22 طفلا وطفلة سنة 2017، و23 سنة 2018، و23 سنة 2019، و17 سنة 2020، و9 أطفال سنة 2021 مقابل استقبال 6 أطفال فقط خلال سنة 2022.
وبلغ عدد المستفيدين من الكفالة داخل المغرب (التبني)، حسب المسؤولة ذاتها، 54 طفلا وطفلة، منهم 12 طفلا وطفلة سنة 2017، و8 أطفال سنة 2018، و13 طفلا وطفلة سنة 2019، و3 أطفال سنة 2020، و11 طفلا وطفلة سنة 2021، و7 أطفال سنة 2022.
في حين بلغ عدد المستفيدين من الكفالة خارج المغرب 14 طفلا وطفلة، منهم طفلان سنة 2017، و8 أطفال سنة 2018، و13 طفلا وطفلة سنة 2019، و3 أطفال سنة 2020، فيما لم يتم تسجيل أي تبنٍّ خارج أرض الوطن خلال سنتي 2021 و2022.
وحسب المعطيات نفسها، فإن الأطفال المستفيدين من الرجوع إلى الأم البيولوجية، خلال الفترة المتراوحة بين 2017 و2022، بلغ عددهم 11 طفلا، حيث تم إرجاع طفل واحد إلى الأم البيولوجية سنة 2017، وطفل واحد سنة 2018 مقابل تسجيل رجوع سبعة أطفال إلى أمهاتهم البيولوجيات سنة 2019، وطفلين سنة 2020، دون تسجيل رجوع أي طفل خلال سنتي 2021 و2022.
المعطيات سالفة الذكر تشير إلى أن الأطفال الذكور يشكلون أكبر نسبة استفادت من الكفالة داخل المغرب، حيث بلغ عددهم 39 طفلا مقابل 15 طفلة، فيما بلغ عدد الأطفال الذكور الذين استفادوا من الكفالة خارج المغرب 9 أطفال مقابل 5 إناث. في حين شكلت الإناث نسبة كبرى للرجوع إلى الأم البيولوجية بعدد 8 إناث مقابل 6 ذكور. وقد تم تسجيل وفاتين في صفوف الإناث في الفترة 2019-2020، وانتقال 4 أطفال ذكور إلى قرى الأطفال المسعفين بآيت أورير.
الترحيب بالمستهدفين
ويستقبل هذا المركز الاجتماعي الأطفال المتخلى عنهم الوافدين من ثلاثة أقاليم (ورزازات، زاكورة وتنغير)، بأمر من وكيل الملك لدى إحدى المحاكم الابتدائية التابعة لدائرة محكمة الاستئناف بورزازات، مع مرافقة الطفل بملف طبي لمعرفة حالته الصحية.
وأوضحت مديرة مركز “بسمة” أنه بعد ولوج الطفل المتخلى عنه إلى المركز بشكل قانوني يقوم المركز بتتبع تلقيحه وكذا تتبع حالته الصحية، خاصة بالنسبة للأطفال الذين يحتاجون رعاية معينة، سواء عند أخصائيي طب الأطفال أو أمراض القلب والإعاقة المركبة والتثلث الصبغي وجميع أنواع الإعاقات، وفي غالب الأحيان يتم تجاوز مدينة ورزازات نحو مراكش أو حسب ما تتطلبه الرعاية الصحية للطفل.
وأكدت أن مركز “بسمة” يوفر عددا من الخدمات للأطفال المتخلى عنهم إلى حين التكفل بهم أو إرجاعهم إلى أمهاتهم البيولوجيات، مشيرة إلى أن المركز يتلقى دعما ماديا ومعنويا من طرف عامل إقليم ورزازات لخدمة هذه الشريحة المجتمعية.
وأضافت أن المركز قام في الفترة المتراوحة بين 2017 و2022 بتحسيس الأمهات البيولوجيات بضرورة التكفل بأبنائهن، وهو مجهود أعطى نتائج مهمة من خلال الأرقام المعلن عنها في هذا المقال حول عدد الأطفال المستفيدين من الرجوع إلى الأم البيولوجية.
الأطفال الصبغيون والذهنيون
في المقابل تعمل المؤطرات داخل مركز “الابتسامة” للأطفال الصبغيين والذهنيين على مواكبة هؤلاء الأطفال من خلال مجموعة من الأنشطة التي يقمن بها لفائدتهم كالتعلم وتقويم النطق والحركة ومجموعة من الأنشطة.
فاطمة الزهراء البريكي، رئيسة جمعية “الابتسامة”، قالت إن مركز رعاية الأطفال الصبغيين والذهنيين هو ورش ملكي تم تدشينه من طرف عامل إقليم ورزازات بمناسبة المسيرة الخضراء، مشيرة إلى أنه يستقطب حاليا 74 طفلا وطفلة بشكل يومي، فيما يبلغ عدد الأطفال المسجلين في المركز 84 طفلا وطفلة.
وأوضحت أن المركز يراهن على التربية الخاصة، ويتوفر على الأطر الشبه طبية والحرف المهنية، مضيفة أن الجمعية تشتغل على هذه المجالات لإدماج هذه الشريحة في المجتمع. وأشارت إلى أن الجمعية تقوم بزيارات، بشكل رسمي، يوم الاثنين بسكورة، والأربعاء بتادولا، بحكم البعد الجغرافي لهؤلاء الأطفال للاستفادة من جميع الخدمات التي تقوم بها الجمعية.
ونوهت عدد من الأمهات بالدور الذي تقوم به الجمعية من أجل رعاية هؤلاء الأطفال، مؤكدات أن المركز أصبح البيت الثاني لأبنائهن، وأن المؤطرات صرن بمثابة أمهاتهم بالتبني، والتمسن من الدولة تقديم المزيد من الدعم للاعتناء بهؤلاء الأطفال وتشجيع المؤطرات على بذل المزيد من المجهودات في هذا الإطار.
مجهودات كبيرة
أجمع عدد من المسؤولين، الذين نقلت إليهم جريدة هسبريس الإلكترونية عدد الأطفال المتخلى عنهم والأطفال الصبغيين الموجودين بمركزي “بسمة” و”الابتسامة” بمدينة ورزازات، على أن هذين المركزين يقومان بمجهودات كبيرة من أجل هذه الفئة من المجتمع، مؤكدين أن هناك اهتماما، خاصة من طرف عامل الإقليم، بهؤلاء الأطفال.
وفي هذا السياق قال مسؤول بالتعاون الوطني بالمدينة إن “مجموعة من المؤسسات تعتبر شريكا أساسيا لهذه المراكز، لكن نتيجة المصاريف الكثيرة التي يحتاجها هؤلاء الأطفال، خاصة المتخلى عنهم، يجب على المحسنين أن يقوموا بعمل خيري لفائدة هذه الشريحة”.
وأضاف أن مجهودات الدولة يجب أن ترافقها مجهودات القطاع الخاص وحتى المحسنين لأن الهدف واحد هو حماية هؤلاء الأطفال من جميع أنواع الاستغلال وإدماجهم في المجتمع، داعيا الجمعيات والمحسنين إلى زيارة المركزين وتقديم الدعم، سواء المادي أو المعنوي، لهؤلاء الأطفال أو العاملين بالمركزين.
المصدر: وكالات