ارتبط نبيل الصافي بإيقاع العيش على ظفتَي نهر أبي رقراق، بمدينتَي الرباط وسلا، قبل أن يقصد الدنمارك في بداية الألفية الحالية، مستعينا بما تشبع به خلال فترة الطفولة بحي “تابريكت” للتطور خلال السنوات 22 الماضية.
لم يكن الشغوف بتعلم اللغات في المغرب يتوقع، عقب اختياره تغيير المستقر إلى منطقة اسكندنافيا، أن نجاح مساره الشخصي والمهني سيرتبط يوما ما بالسكك الحديدية، وأن يصير خبيرا تستعين بخدماته كبرى الشركات العالمية المشتغلة في هذا المجال.
تميز لغوي
ترعرع نبيل الصافي في حي “تابريكت” بمدينة سلا، مستهلا التعلم من أقسام مدرسة العياشي قبل الوصول إلى مؤسسة أحمد الناصري في المرحلة الإعدادية، والحصول على الباكالوريا في شعبة علمية بثانوية لسان الدين ابن الخطيب.
يقول الصافي: “عشت طفولة جميلة في مدينة سلا، وكانت لدي خيارات خاصة بي، من بينها اختيار الألمانية لغة أجنبية ثانية في المرحلة الثانوية، لذلك لم يسبق لي أن درست الإنجليزية في المغرب، بينما قمت بتعلم اللغتين الإسبانية والإيطالية بعد الباكالوريا”.
لازم نبيل لغة “الجرمان” في مرحلة التعليم العالي. ورغم تخصصه العلمي، قرر الإقبال على دراسة الأدب الألماني في الرباط، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس، بينما لم يوفق في استكمال التكوين بألمانيا في المرحلة الموالية.
الارتباط بدنماركية
بالتزامن مع الدراسة في الجامعة، حرص نبيل الصافي على الاشتغال في تعليم الدارجة المغربية للأجانب الوافدين على العاصمة المغربية من أجل ذلك، وبهذه الممارسة تعرف على زوجته الدنماركية وقرر الانتقال إلى اسكندنافيا.
“احتجت إلى مدة كي أتأقلم مع مميزات الطبيعة في الدنمارك، خاصة وجود النور حتى فترة متأخرة من الليل، لكن الاندماج في المجتمع كان سهلا بحكم إتقاني لغات عديدة، من جهة، والتقارب بين اللغتين الألمانية والدنماركية، من جهة ثانية”، يورد الصافي.
واستغرق الوافد من سلا 6 شهور من التكوين لتعلم اللغة الدنماركية بشكل جيد، ثم قرر الإقبال على سوق الشغل من أجل توفير ما يلزم من مصاريف يومية، لذلك التحق بشركة لإصلاح الآلات الإلكترومنزلية؛ مستثمرا معرفته المسبقة بكيفية العمل عن طريق إخوته الممارسين في المجال ذاته.
الهندسة الإلكترونية
لم يلازم نبيل الصافي إصلاح التجهيزات الإلكترومنزلية أكثر من سنة واحدة، وقد أثار استغراب الشركة التي يشتغل لديها حين قدم إشعارا بالرغبة في مغادرة العمل، مكسرا التنميط الذي يربط ذوي الأصول الأجنبية بملازمة أي منصب يدر عليهم عوائد مالية دون مشاكل مع من يحيطون بهم.
يقول “ابن تابريكت” إن “تغيير الوجهة كان من أجل الدراسة، ولذلك حصل على شهادة باكالوريا دنماركية قبل التوجه صوب التعليم العالي”، ويضيف: “كان أمامي خياران، توجهت نحو الأول بالتكوين في ميدان التجهيزات الطبية، ثم عدت إلى الخيار الثاني بدراسة الهندسة الإلكترونية”.
ويلوح الصافي مقتنعا بقرار ابتعاده عن العمل في ورشة الإصلاح التي كان يلازمها، خاصة أن مؤسسات التكوين في الدنمارك تساعد الجميع على العطاء الدراسي، بمن في ذلك ذوو الأصول الأجنبية، كما يقدر الدعم الذي لقيه من زوجته كي يتفرغ لمجهود شخصي كلل بالتفوق في الهندسة الإلكترونية.
على السكك الحديدية
انتزع المنتمي إلى صف “مغاربة اسكندنافيا” منصب شغل مع شركة السكك الحديدية الدنماركية عقب شهر واحد من تخرجه، متوليا المهام التي توكل إليه بصفته مهندسا في الإلكترونيك، بينما عيناه لم تفارقا البحث عن التطور كل يوم.
يعلق نبيل الصافي على ما جرى قائلا: “استمرت التجربة 10 سنوات، من 2009 إلى حدود 2019، وقد تطورت خلالها من مهندس إلى مسؤول عن فريق، وبعد اعتلاء 6 مراتب أخرى صرت مديرا تقنيا، وآخر مهامي في الشركة ارتبطت بتولي مسؤولية في إنجاز الخط فائق السرعة على مستوى الدنمارك، وجرى ذلك بإيقاع ثقيل يحتاج العمل من السادسة صباحا إلى السادسة مساء”.
وكأنه ما يزال يصلح الآلات الإلكترومنزلية، ضمن الشركة التي التحق بها قبل دراسة الهندسة، ارتأى الصافي مغادرة موقعه المهني في القطاع العام من أجل افتتاح مشروع خاص به، معتبرا أن الوقت قد حان كي يستثمر خبرته في شركة تحمل اسمه، فكان له ما أراد.
تعاقدات مربحة
عمل الخبير المغربي في الهندسة الإلكترونية على بناء مشروعه بتدرج، موقنا بأن فترة التأسيس تحتاج التأني للتغلب على معظم الصعوبات، ثم حضرت الطفرة في شركة “ناووما” بقبول شريك من المعارف في شركة السكك الحديدية التي كان مشتغلا فيها.
يقول نبيل الصافي: “تطلب الأمر 3 سنوات من أجل إيصال الشركة إلى وضعية مريحة، لديها حاليا العديد من التعاقدات مع الدولة، بل تحتاج إلى الاشتغال وفق نمط المناولة للوفاء بكل التزاماتها في الوقت المحدد للتسليم”.
وتقدم “ناووما” دراسات حول الأشغال المرتبطة بالسكك الحديدة، من تجهيزات السير بأمان إلى التزود بالطاقة الكهربائية، وتمسك حاليا بمشروع يمتد إلى سنة 2024 من أجل وضع الأسس لرحلات قطارات مزودة ببطاريات، من جهة، وإرساء بنية للشحن الكهربائي تستفيد منها القاطرات والحافلات والسيارات، من جهة ثانية، حيث يرى الصافي أن هذا الورش الأخير، الحامل اسم “ثلاثة في واحد”، يبقى فريدا من نوعه وسيكون له صدى دولي إيجابي مباشرة بعد تفعيله.
الريادة والمساعدة
يرتقي الاجتهاد إلى مرتبة استراتيجية عند نبيل الصافي؛ إذ يحرص على تواجد منسوب مرتفع من الجودة في كل الدراسات والخدمات التي يقدمها إلى كبرى الشركات العالمية التي تستعين بشركته في مملكة الدنمارك.
يقول المهندس ذاته: “شرف كبير أن أتعامل مع رواد في مجال الإلكترونيات مشهود لهم عالميا بالنجاح في أكثر من ورش، لكن طموحي الحقيقي يرتبط بمنافسة هؤلاء الكبار بعد مراكمة نجاحات إضافية مستقبلا”، ويزيد: “ليست هناك أهداف غير مواصلة العمل بجد وطلب توفيقي من الله”.
وفي الوقت الذي يؤكد الصافي وجود رغبة لديه بالمشاركة ضمن جهود التنمية بالمغرب، وتسخير ما يعرفه لخدمة الوطن الأم، يرى أن هذه الخطوة لا يمكن أن تتحقق من طرف واحد يعرض خدماته، إنما ينبغي أن تتوفر إرادة مشتركة، حيث جهة تعلن الحاجة إلى المساعدة وأخرى تعبر عما يمكنها أن تقدمه.
العلم قبل العمل
يتذكر نبيل الصافي ما عاشه خلال السنوات 22 الماضية في الدنمارك قبل أن يعلن أن التفكير في الهجرة يحتاج مراكمة المعرفة أولا، ووضع تحصيل العلوم قبل جمع المال، زيادة على ضرورة تحول المهاجر إلى قدوة وسط أسرته وفي المجتمع الذي نفذ إليه.
ويشدد الصافي على أن صراحته لا تريد تحطيم الناس ولا تحقيرهم، ويضيف أن الهجرة بلا دراسة لن تبني أي مستقبل زاهر، موردا أن “الغرب اعتمد على المستشرقين للإلمام بالحضارة العربية قبل إطلاق التطوير، وهذا هو الدور الذي ينبغي أن يقوم به الجيل الصاعد حاليا، خاصة الجالية المغربية”.
“غمرتني أحاسيس سيئة في مواعيد دفعت الدنماركيين، بحكم البشرة والمظهر، إلى التساؤل عن القيمة المضافة التي أقدمها مهنيا، لكن مناقشتهم وتعرفهم على ما أقوم به يجلب الاحترام التام دوما؛ إذ أحرص على تكسير الصورة النمطية، بمبادرة مني، وأعرف بوجود مجدين بين المنحدرين من أصول أجنبية في الدنمارك”، يختم نبيل الصافي.
https://www.hespress.com/?p=1067155&preview=true
المصدر: وكالات