على بعد حوالي 200 كيلومتر شرق مدينة فاس، تتراءى مدينة ميسور كقرية كبيرة وسط صحراء قاحلة، فالمنطقة تتميز بمناخ شبه جاف يضاعف تهميشها.
تنتمي ميسور لإقليم بولمان بجهة فاس مكناس، وهي بتعداد سكاني يناهز 30 ألف نسمة، يعاني 23,4 في المائة منهم من الأمية، فيما يصل معدل البطالة إلى 20 في المائة، وفق معطيات المندوبية السامية للتخطيط.
كانت ميسور على امتداد التاريخ مركزا مهما على الطريق الرئيسي الذي يربط ميدلت بمليلية المحتلة، في هضاب ملوية العليا، وقد أصبحت مركزا لإقليم بولمان سنة 1975. ونظرا لأهمية المنطقة من الناحية الاستراتيجية، بنى فيها المستعمر الفرنسي بنيات تحتية عديدة، منها محطة للقطار ومقرات إدارية ومستوصف وكنيسة ومركز للبريد ومحكمة عرفية.
كان الخط السككي سنة 1919 يربط جرسيف بميدلت، ويتوفر على 11 محطة، أهمها بين ميسور وأوطاط الحاج، على مئات الكيلومترات، حيث يصل إلى الجزائر عبر كل من جرسيف ووجدة، وهو ما جعل آنذاك المغرب الشرقي بأكمله مرتبطا بمجموع الشبكة الاستعمارية لفرنسا في شمال إفريقيا.
لا يزال أغلب سكان ميسور يتذكرون الزيارة التي قام بها الملك محمد السادس إلى المدينة سنة 2008 بعد الفيضانات التي ضربتها، وقد تم خلال هذه الزيارة الملكية التوقيع على اتفاقية تهم برنامج التأهيل المجالي لبلديات ميسور وأوطاط الحاج وبولمان وإيموزار مرموشة بغلاف مالي يناهز 284 مليون درهم.
يشتغل سكان ميسور في الرعي والزراعات المسقية على الشريطين الأخضرين على نهري شوف الشرق وملوية، إضافة إلى الوظائف العمومية في قطاعي التعليم والصحة، والجيش نظرا لوجود ثكنة عسكرية.
وتشتهر المنطقة بإنتاج مادة الغاسول، التي يتم استخراجها من منجم بجماعة قصابي ملوية القريبة من مدينة ميسور، إضافة إلى الرخام المتواجد في باطن أراضيها بجودة عالية، كما تشتهر المنطقة بتربية طائر الحبار في محمية كبيرة تعود إلى مستثمرين إماراتيين.
ويتحسر أبناء المنطقة على عدم استغلال ثروة الغاسول الفريدة من نوعها كما يجب من أجل النهوض بأوضاع السكان من خلال التثمين والتحويل محليا، عوض استخراجها ونقلها كمادة خام إلى معامل في ملكية عائلة الصفريوي بمدينة فاس.
وفي ظل غياب فرص الشغل والاستثمار، يضطر الشباب إلى مغادرة ميسور نحو المدن الكبرى للعمل، كما يكابد الطلبة معاناة التنقل إلى فاس للدراسة في الجامعة في ظل غياب كلية أو معهد عال في المنطقة، فيما يعيش من بقي فيها بدون عمل حياة رتيبة وبطيئة.
جبر ضرر جماعي
في الانتخابات الجماعية التي جرت السنة الماضية، ظفر الشاب محسن الحمداوي، باسم حزب التجمع الوطني للأحرار، برئاسة مجلس جماعة ميسور، بعدما كانت في السنوات الأخيرة مُسيرة من طرف حزب العدالة والتنمية، وقبله الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لسنوات طويلة.
يُسير الحمداوي جماعة ميسور إلى جانب حلفاء آخرين من حزبي الاستقلال والأصالة والمعاصرة، إضافة إلى أعضاء من التقدم والاشتراكية، حسب تصريحه، وهو ما يضمن له أغلبية مريحة للعمل.
يرى المتحدث لهسبريس أن “ميسور في حاجة إلى جبر ضرر جماعي لأن التهميش طالها لمدة طويلة”. وفي نظره، فـ”على الدولة أن تُنزل هذا الجبر عن طريق مشاريع تنموية حقيقية تلبي طموحات المواطن الميسوري، وليس عن طريق مشاريع ترقيعية”، وفق تعبيره.
وأفاد حمداوي بأن المجلس الحالي الذي يرأسه سارع إلى توقيع اتفاقية شراكة إطار جديدة مع وزارتي الداخلية وسياسة المدنية من أجل إخراج برنامج التأهيل الحضري إلى حيز الوجود، بمبلغ مالي يناهز 161 مليون درهم.
واعتبر حمداوي أن قيادة حزبه للحكومة ووجود حليفه حزب الاستقلال على رأس جهة فاس مكناس، التي تنتمي إليها ميسور، شروط مواتية للترافع من أجل تحقيق التنمية، وأكد في هذا الصدد أنه “لا عذر لنا أمام المواطن”.
ويراهن رئيس الجماعة على التعليم والثقافة للنهوض بأوضاع الساكنة، من خلال الترافع لإخراج النواة الجامعية إلى حيز الوجود عبر الوفاء بالتزام توفير الوعاء العقاري، إضافة إلى إحياء المركب الثقافي الوحيد في المدينة من خلال الحسم قريبا في مصيره من خلال الإصلاح أو هدمه وبنائه من جديد.
وبخصوص عدد البنيات التحتية غير المشغلة في المدينة، وعلى رأسها المسبح الرياضي، أوضح الحمداوي أن “هذه البنية كانت تدبر في السابق من طرف وزارة الشباب والرياضة، لكن بعد التشكيلة الحكومية الجديدة تم إلحاق الرياضة بوزارة التربية الوطنية، وبذلك أصبحت من اختصاص المديرية الإقليمية للتعليم، وهو ما اضطر الجماعة لعقد اتفاقية شراكة معها من أجل التسيير”.
مداخيل إضافية
لا تتجاوز ميزانية جماعة ميسور 11 مليون درهم. وعلى غرار باقي الجماعات الترابية في المغرب، تخصص النسبة الأكبر من الميزانية لأداء النفقات الإجبارية، على رأسها أجور الموظفين والموظفات.
وقد عانت ميسور من تضخم الباقي استخلاصه من ضرائب ورسوم محلية، وهو مورد ركز عليه المجلس الجديد المسير لجماعة ميسور، حيث تم استخلاص حوالي 7 ملايين درهم إضافية، كما ينتظر أن يتم ضخ مبلغ 40 مليون درهم في ميزانية الجماعة ستتأتى من صندوق تجزئة النهضة.
وقال رئيس الجماعة إن كل هذه الموارد المهمة ستتم برمجتها لفائدة مشاريع تنموية، وعقد اتفاقيات شراكة مع القطاعات الوزارية والقطاع الخاص من أجل تحريك عجلة الاقتصاد المحلي وتوفير مناصب الشغل.
وأقر حمداوي بأن الاعتماد فقط على الموارد المالية للجماعة لن يحقق التنمية المنشودة، مؤكدا أن الرهان يتمثل في الترافع لدى القطاعات الوزارية من أجل تنزيل مشاريع مجمعة ومندمجة يلمس المواطن نتائجها.
قرية كبيرة
يكاد تشخيص واقع ميسور يتشابه بين الفاعلين بمختلف مواقعهم وتلاوينهم؛ فالكل يرى أن المدينة تعاني التهميش، وهو ما أكده محمد الفقير، عن فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بميسور، في حديث لهسبريس، بالقول إن “الوضعية مزرية على جميع الأصعدة”.
وأضاف الفقير أن معاناة ساكنة ميسور مضاعفة، ووصف المدينة بـ”قرية كبيرة مهمشة في السياسات العمومية للدولة لأنها لا تدخل ضمن أي مخطط وطني”.
وفي نظر الفاعل الحقوقي ذاته، فإن “الجماعة لا يمكنها أن تساهم في التنمية، على اعتبار أنها لا تتوفر على موارد مالية وبشرية كافية، ناهيك عن القوانين التي تقوض عمل من وصل إلى التسيير”، وفق تعبيره.
وأشار المتحدث إلى أن “المستشفى الإقليمي بميسور يفتقد إلى التخصصات، وهو واقع يضطر معه المرضى لمواجهة معاناة إضافية بالتنقل نحو فاس أو مكناس مع ما يترتب عن ذلك من مصاريف إضافية”.
وفي قطاع السكن، لفت الفقير إلى أن غالبية الأراضي هي أراضي الجموع، وبالتالي غير محفظة، ناهيك عن الغلاء في العقارات بسبب الاحتكار في هذا القطاع من طرف شركة العمران التابعة للدولة.
على مستوى التشغيل، أبرز الفاعل الحقوقي أن الفرص منعدمة في المدينة، مشيرا إلى أن أغلب السكان يشتغلون في الفلاحة المعاشية على ضفاف الوديان، وهو نشاط عانى مؤخرا من تأثيرات الجفاف.
ومن أجل النهوض بالتنمية في المنطقة، قال عضو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إن ميسور في حاجة إلى مشاريع تنموية حقيقية تأخذ بعين الاعتبار مؤهلاتها المتنوعة، وشدد على أهمية استثمار الدولة بشكل أكبر لتشجيع القطاع الخاص.
معالجة المشاريع المتعثرة
حزب التقدم والاشتراكية، الذي يعتبر من الهيئات السياسية النشطة في المدينة على الرغم من عدم ظفره بتسيير المجلس الجماعي، يرى أن المدينة تحتاج إلى معالجة المشاريع المتعثرة والعالقة منذ سنوات طويلة.
وفي رأي ياسين مبروكي، الكاتب الإقليمي لحزب التقدم والاشتراكية بإقليم بولمان، فإن اتفاقية تأهيل المدينة تعتبر من المشاريع الكبيرة المتعثرة، إضافة إلى مشاريع مشتل المقاولات وسوق القرب وحي الحرفيين والسوق الأسبوعي الجديد.
وقال مبروكي، في حديث لهسبريس، إن “المدينة تحتاج إلى مشاريع تنموية قادرة على إيجاد فرص للتنمية والتشغيل من خلال تأهيل منطقة للأنشطة الصناعية ودعم التعاونيات وخلق رصيد ووعاء عقاري في ملكية الجماعة لرصده للبرامج والمشاريع التنموية”.
كما ذكر الفاعل الحزبي ذاته، ضمن إفاداته حول الوضع في المدينة، أن هناك حاجة إلى “تفعيل مركز معالجة النفايات الصلبة وتدوير ما يطرح به من نفايات، والترافع من أجل جلب الماء الشروب من سد سيدي سعيد حفاظا على الفرشة المائية المحلية”.
وشدد المتحدث على ضرورة تشجير مختلف الأزقة والشوارع بأشجار تتلاءم ومناخ المدينة وإحداث حزام أخضر على مدخل المدينة، وتشجيع التشغيل المحلي من خلال تثمين الثروات التي تزخر بها المنطقة.
يبقى وضع ميسور كباقي مدن الهامش القريبة من الشريط الحدودي حيث تزيد الهشاشة مع صعوبة مناخها، لكن رغم ذلك تبقى إمكانيات التنمية متاحة في ظل وجود ثروات طبيعية مهمة ومؤهلات سياحية كثيرة تنتظر التثمين.
المصدر: وكالات