بعدما خرج من تحت الأنقاض “سالما” و”نجا من الموت بأعجوبة”، يتقاسم يدير بنجعة حكايته مع جريدة هسبريس، حيث يعود بنا إلى الليلة التي ضرب فيها الزلزال الدوار، وقال إنه “غداة تناول وجبة العشاء، سمع صراخ ابنته في المطبخ التي كانت تغسل الأواني حينها؛ بينما هو ووالدتها كانا يشاهدان التلفاز”، مضيفا أنه حين توجّهَا إلى الغرفة وجدا الجدران تلاحقهما، وسقطت مباشرة فوق رؤوسهما.
ويستمر يدير، الذي قضى 240 دقيقة تحت الأنقاض (أربع ساعات)، في سرد حكايته، إذ أورد: “أمسكت بي ابنتي وزوجتي، وسقطنا حتى الطابق السفلي دفعة واحدة؛ الزوجة ماتت في الحين، بينما ابنتي لطيفة ظلت حية لساعتين تناديني تحت الأنقاض: بابا، بابا”، مردفا: “طلبت منها النطق بالشهادة، (شهّدي.. شهّدي أبنتي)، لكوني أدركت أنها ستموت. كنا مقتربين، بل متلاصقين، وكنت سأموت، لولا أن شخصا ما سمع صراخي وأنقذني”.
وأضاف حاكيّا: “كنت أسمع ابنتي تموت، وأشعر حينها بأنّ روحها تخرج”، مردفا: “وقتها، كنتُ أعتقد أن الأمر حل بي وحدي، ولم أدرك أنه قدر مشترك لكل الدوار والمنطقة.. كنت أتمنى أن أموت لأخرج من العذاب تحت الأنقاض. صراحة، لا أود لأحد أن يعيش ذلك العذاب”. وزاد: “لا أعرف كيف أشرح ما شعرت به؛ الشّعور كان غريبا، وكأن الأرض تمّ نفضها بقوّة بغتة.. خيّم الصمت، وصرت أسمع أصواتا غريبة لا أعرف مصدرها”.
وقال المتحدّث، الذي عاينت جريدة هسبريس الكثير من الندوب والزرقة على مستوى مناطق عديدة من جسده، إن “شخصا ما، أخرجه من تحت الأنقاض، وجد رأسه فقط باديا، واستمر في الحفر قليلا بقليل إلى أن تمّ انتشاله يوم السبت 09 شتنبر على الساعة الثانية صباحا ولم يجر نقله إلى المستشفى إلاّ زوال السبت ذاته، أي بعد أكثر من 10 ساعات من إخراجه من تحت الأنقاض”، كما قال، مضيفا أن “السلطات لم تأت إلى عين المكان إلاّ في وقت متأخّر من يوم السبت”.
ومضى شارحا وهو يشغّل “شريط الذّاكرة” المؤلم: “حين خرجت وجدت أن كل شيء تخرب، وتضاعف عذابي، لكوني فقدت ابنتي ذات الـ13 ربيعا، التي كنت أتمنى أن أموت قبلها”، مؤكدا بنوع من الحزن: “زوجتي أيضا التي قضت معي 25 سنة وأنجبت معي ثلاثة أبناء، ولدان ولطيفة، غادرت إلى دار البقاء، فظللت هكذا لا أعرف لماذا أعيش، فلو متّ كان ذلك سيكون أخفّ وأرحم من هذا العذاب الذي أعيشه اليوم”.
وأورد الناجي من “رحلة موت” أودت بأزيد من 30 فردا من شجرة عائلته بالدوار عينه أنه قضى يومين في المستشفى، وحين خرج منه وجد أن كل ما يملك قد ذهب، نحو مبلغ 20 ألفا مخزونة للطوارئ صارت شيئا مدفونا تحت الخراب. كما قضى الزلزال المدمر على 80 رأسا من الغنم، يملكها الناجي ذاته. وقال: “خسرت كل شيء، حتى مبلغ المواصلات، لأصل إلى هنا بعد مغادرتي المستشفى بمراكش، قدمه لي شخص ما جزاه الله خيرا”.
وسجل المتحدّث بتأثر بالغ أنه، الآن، صار يشعر بأنّه “ولد من جديد، وأنه طوى صفحة ما مضى قبل الزلزال حرفيا”، وأنه “يعيشُ عمرا جديدا يحاول نسيان كل الذي انقضى من خطايا وغيرها”، قائلا: داكشي كولو لحتو لور، عمري 45 سنة، لكن كنحس راسي تولدت دابا، لحمي كامل زرق ولابس حوايج الشتا حيتاش فيا البرد ومزال كنحس بالخوف، مزال مفهمت أش وقع”.
وهو يقف في الفضاء الذي يذكّره بروائح الموت حصرا، وباللحظة الفجيعة، أكد بنجعة أنه لم يعد يستطيع النوم، لكونه كلما حاول ذلك، يستحضر لحظة الانهيار الكبرى، يستحضر الأصوات الشاردة وصراخ لطيفة، فتصبح لياليه بيضاء غصبا عنه، قائلا: “أصبحت أشعر بالخوف كلما حاولت النوم، وصارت الثّقة القديمة ضئيلة، باتت الحياة أكثر صعوبة وضنكا، خصوصا حين أتذكر لطيفة.. كل شيء ذهب وذهبت معه لطيفة، التي كانت هي كل شيء تبقّى لدي بعدما غادر أشقاؤها للعمل”.
ورافقت هسبريس يدير بنجعة لتعاين محاولاته للاندماج في الدوار، على الرغم من “الذخيرة البصرية القاسية” التي يشكلها تيكخت بالنسبة له. ويبدو أن حكايته القاسية وفقدانه لزوجته وابنته لطيفة وبقية عائلته يظهر للكثيرين بالدوار كأنها تكرّس جراحا غائرة من الصّعب أن تشفى على المدى البعيد؛ فملامح عودة ملامح الحياة الطبيعية التي التقطتها الجريدة في مخيم الدوار من المؤكد أنها تستثني بنجعة، إلى أجل غير مسمى.
المصدر: وكالات