صبّ نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي بالمغرب، منذ اليوم الأول لامتحانات الباكالوريا، جام غضبهم في “تدوينات” ومقالات مطوّلة منشورة على صفحاتهم الخاصة، على ما وصفوها بـ”المشاهد المخزية” المتكرّرة سنوياً أمام مراكز الامتحانات، والمتعلّقة بـ”ترصّد وانتقاء” تلاميذ للإدلاء بتصريحات صحافية بغرض تحقيق الانتشار أو ما يُسمّى “البوز”.
وأضحت هذه المشاهد مألوفة سنوياً رغم أنها تواجه في كل مرّة برفض واسع ودعوات إلى التصدّي لها واحترام قواعد وميثاق أخلاقيات مهنة الصحافة؛ غير أن هذه “الظاهرة” كما وصفها الكثيرون آخذة في التوسّع، إذ انخرط فيها أيضا مجموعة من “صنّاع المحتوى” على منصتي “يوتيوب” و”فيسبوك”، وفق ما أكده النشطاء.
واستنكرت “التدوينات” التي اطلعت عليها هسبريس استغلال القاصرين في تصريحات صحافية دون وعي منهم، وتوجيههم نحو مواضيع بعيدة عن موضوع المادة التي امتحنوا فيها قبل مغادرتهم مركز الامتحان.
الأمر أثاره كذلك مجموعة من الصحافيين المهنيين، إذ اعتبرت حنان رحاب، الصحافية وعضو المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية، أن هذه الممارسة “لا تمت بصلة لأخلاقيات المهنة، ولا لأبسط قواعد المهنية التي تفرض التوازن والتعددية، وليس الاقتصار على عرض مادة تحمل طابع التهريج عموما”.
وأضافت رحاب، ضمن “تدوينة” في صفحتها على موقع “فيسبوك”: “الأخطر في الأمر أن هذه الممارسة التي لا تمت بصلة للعمل الصحافي الجاد تضرب حق القاصرين/ات في النسيان، الذي يعني في هذه الحالة استغلال سن وضعف وعي هؤلاء بالانعكاسات المستقبلية لتلك التصريحات؛ فهؤلاء التلاميذ سيصبحون آباء وأمهات وأصحاب مهن في المستقبل، وستشكل تلك التصريحات مصاعب تربوية أو مهنية أو اعتبارية لهم”.
من جانبه، اعتبر هشام كزوط، أستاذ باحث في قضايا الإعلام، أن “هوس الحصول على الشهرة وحصد أكبر عدد من المتابعين جعل بعض المنابر الإعلامية تفقد بوصلتها الأخلاقية ومسارها المهني المطلوب، عند تغطية أجواء اجتياز التلاميذ امتحان البكالوريا، إذ نجد أن هناك انتقاء واضحا للارتسامات الشاذة للمترشحين قصد بثها، من قبيل تلك التي تتضمن تصريحات لا صلة لها بأجواء الامتحان”.
وتساءل كزوط، في تصريح لهسبريس، عن “الداعي مثلا لبث تصريح لأحد المترشحين متحدثا عن سلوكه المشين بعد عجزه عن الإجابة، من قبيل نظرته الإيحائية إلى زميلته، أو تصريح يتضمن التهكم على المراقب، أو محاولات المترشح المتكررة للغش، مصورا ذلك في قالب درامي وكأنه في حلبة للمصارعة بلغة سوقية بذيئة؛ وغيرها من التصريحات المسمومة التي كان من اللازم أن يتدخل مقص الصحافي لحذفها وعدم السماح ببثها، في ضرب صارخ للقيم النبيلة والضوابط المهنية للصحافة”، وفق تعبيره.
ويرى منسّق مسلك علوم الإعلام والتواصل الإستراتيجي بجامعة محمد الأول بوجدة أن “المتعلم يبقى قاصرا مندفعا نوعا ما وفي حاجة إلى تأطير ومواكبة تربوية”، مردفا: “أما والحديث عن الصحافي فلا يوجد أي مسوغ للسماح ببث مثل هذه التجاوزات اللاأخلاقية واللامهنية أيضا، فالمفترض فيه أن يعكس أخلاقيات المهنة التي هي جزء من أخلاقياته، لا أن يعمد إلى استغلال طيش بعض المتعلمين، لاسيما أثناء تواجدهم في مجموعات حيث سيكولوجية الجماعة والمكان تلعب دورها، فيندفع المترشح نحو القيام بسلوكيات لا تربوية والإدلاء بمضمون خارج السرب”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن بث مثل هذه التصريحات وتناقلها عبر وسائل التواصل الاجتماعي “يُحدث هوة سحيقة بين الواقع المنشود والتمرد المعلن على ضوابط المجتمع وحرمة المؤسسة ومكانة المربي، بل يؤدي إلى تطبيع سافر للأجيال اللاحقة مع هذه التجاوزات، وجرأة غير محمودة العواقب ستنعكس سلبا على تصرفاتها”.
ودفعت هذه الفيديوهات المتداولة على نطاق واسع مجموعة من النشطاء والمدونين إلى دعوة المجلس الوطني للصحافة والسلطات القضائية إلى العمل على الحد من هذه الممارسات، التي قالوا إنها “تسيء إلى صورة البلد والصحافة وتطعن في قيمة شهادة البكالوريا المغربية”.
المصدر: وكالات