يعد النحاس من المعادن القديمة التي طوعها الإنسان لصناعة الآواني والأغراض الحياتية المختلفة، فهو معدن لين قابل للطرق والتلميع، وحظي بمكانة شعبية كبيرة في العصور القديمة ولسنوات قريبة كان أحد المعالم الرئيسية في جهاز «العروس» في ريف وصعيد مصر، فمنه كان يصنع السرير وبعض فرش المنزل وأدوات المطبخ، وكانت الأسرة ميسورة الحال هى من تستخدمه، لكن هذه العادة انقرضت الآن وحلت محلها الأجهزة الحديثة.
المصريين أمهر صناع النحاس
ويتميز الصناع المصريين منذ زمن بعيد بأنهم الأمهر في صناعة المشغولات النحاسية، خاصة اليدوي منها، بحسب محمود فتيحة، أحد صناع المشغولات النحاسية في الإسكندرية، وتتمركز هذا الصناعة بمنطقة العطارين في وسط المدينة.
وأوضح «فتيحة» في تصريحات لـ«الوطن»، أنه في العصر الإسلامي كانت القاهرة مركزا مهما للصناعات المعدنية، وتفنن المصري القديم في استخدام هذا المعدن، واشتهرت مدينة الفسطاط القديمة بكثرة الصناع المهرة في هذا المجال، لدرجة أن المؤرخين الذين زاروا مصر في عهود متفرقة انبهروا بمستوى الأواني والأدوات المصنوعة من النحاس مثل الشمعدانات والتماثيل والمباخر.
طاسة الخضة والأباريق والكؤوس
وأشار محمود فتيحة، إلى أن الفنان المصري القديم خلال عهد الدولة الأيوبية، صنع من النحاس الشمعدانات والمباخر والقدور والأباريق والكؤوس، واشتهر في قرى الريف المصري ما كان يعرف باسم «طاسة الخضة» أو «الطاسة السحرية»، التي ظهرت في العصر الأيوبي، وكانت تستخدم في علاج الأمراض العصبية، واشتهرت الأحياء الشعبية والريف بصناعة الطشوت النحاسية التي كانت تستخدم في أغراض كثيرة، منها غسيل الملابس وغيرها من أدوات المنزل النحاس.
حماية صناعة النحاس من الإنقراض
في السياق ذاته، قال حمادة كتكوت، أحد أصحاب المسابك، في تصريحات لـ«الوطن»: «ورثت المهنة عن والدي وجدي وأحبها، ولها سوقا خاصا في فترات الرواج السياحي، ويقبل السائحون على المنتجات التي يدركون قيمتها المعدنية والفنية خاصة (القدر) المخصصة لصناعة الفول، وكذلك المشغولات النحاسية التي تستخدم للزينة والديكور في المنازل، في ظل أن هذه المهنة مهددة للانقراض إلا أنه لابد من رعاية مثل هذه الصناعات التي كانت تميز مصر في العصور المختلفة حتى صارت جزءا من تاريخها، ونحن كصناع نحاول حماية المهنة من الانقراض».
مراحل التصنيع والتجهيز
مراحل صناعة النحاس متعددة تبدأ بالمسبك، ودوره تسييح النحاس وصبه في قوالب حسب الأشكال المطلوبة، بحسب حسام السيد، صاحب ورشة تجميع مشغولات نحاسية، ويعقبها مرحلة التنظيف والتلميع وتستخدم فيها المواد الكيماوية، ثم مرحلة التجميع وتوصيل الوصلات الكهربائية مثل النجف أو الإباليج، وبعد ذلك مرحلة العرض والبيع، مؤكدا أن الطلب كثير جدا من الخارج، خاصة إيطاليا؛ إذ يقدر الإيطاليون المشغولات النحاسية المصرية جدا، ويقبلون عليها، إلا أنه قل بسبب قلة المعروض وتذبذب أسعار الخردة، ونتمنى أن تستمر صناعة النحاس التي بدأت في مصر منذ عصور ما قبل الميلاد وراجت في عصر الفراعنة، مشددا على أنها صناعة مصرية أصيلة.
