لو بحثنا بعمق نجد أن نسبة لا يستهان بها من الأباء والأمهات لا يلتفتون إلى نوع الثقافة أو التفاهة التي يقدمونها لأطفالهم في داخل الأسرة أو التي تقدم إليهم في المجتمع من جهات متعددة أو عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات المتنوعة في برامجها والمتباينة في أهدافها، وكثير منهم قد لا يعلمون أنهم عليهم أن ينتبهوا لأنواع الثقافة التي يتلقاها أطفالهم، سواء اكانت سمعية أم بصرية أم عقلية، وعليهم أن لا يتغافلوا عنها ولا يتجاهلونها، تحت أي مبرر، لأن أي غفلة أو تجاهل منهم قد يفسد أطفالهم ويحرف تفكيرهم وأخلاقهم، ويجعلهم ضعاف بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان سلبية، ويكونوا غير قادرين على فهم الحياة ومتطلباتها الحقيقية ولا يستطيعون استيعاب ما يدور من حولهم، ولا التمييز بين ما يطرح عليهم من أفكار ومعارف بالشكل الصحيح، ولا يمكنهم ونقصد الوالدين معرفة أبعاد الثقافة التي يجب توفيرها لفلذات أكبادهم، إلا بالإحاطة بها بصورة كاملة، ويمكننا استعراض الثقافات التي يجب الاهتمام بإيصالها لأطفالنا بعناية قصوى عبر الوسائل التي عند أبنائنا ومن دون تهاون أو تكاسل، هي كالتالي :
أولاً: الثقافة السمعية: لابد للوالدين إن يولوا أهمية كبرى للألفاظ التي يرسلونها أو ترسل من قبل غيرهم إلى أسماع أطفالهم، يجب أن تكون كلماتهم نظيفة خالية من التفاهة والسفاهة أو من أية تلوثات لفظية، وعليهم أن لا يستخدموا السب والشتم في الأحوال الطبيعية أو في حالات الغضب، ويبعثونها إلى أسماع أطفالهم، والمدهش في الأمر أنهم إذا ما يسمعون أطفالهم يمارسون السباب والشتائم في مجتمعهم، يستنكرون عليهم بشدة، وتثور ثائرتهم وتنتفخ أوداجهم وترتعد فرائصهم وترتعش أبدانهم، ويسألونهم بغضب من أين تعلمتم هذه الثقافة الذميمة؟ ناسين أو متناسين أن الطفل صفحة بيضاء أي كلمة طاهرة كانت أو ساقطة تقذف في سمعه سرعان ما تنقش في عقله وتدون في فكره وتعتمد لديه كثقافة تعلمها مباشرة من أقرب الناس إليه وهما والديه، أو تعلمها بغير مباشر بواسطة الهاتف أو الأيباد الذي أوجده له والده أو والدته من دون رقابة على ما يسمعه من تلك الوسائل من الألفاظ غير اللائقة أخلاقيا، فرجالات التربية يقولون أن الكلمات غير اللائقة يكون تأثيرها السلبي كبيرًا على أخلاق وسلوك الأطفال، فالأباء يتمتعون بالعلم والعقل والوعي بعواقب الأمور، تراهم لا يتراخون ولا يغفلون أو يتغافلون في هذا الجانب مهما كانت مشاغلهم وارتباطاتهم الاجتماعية والوظيفية ،نجدهم يحرصون كل الحرص على توفير البيئات النظيفة غير الملوثة بالألفاظ النابية لفلذات أكبادهم، لكي يضمنوا لهم حصولهم على الثقافة السمعية السليمة قدر المستطاع، ليقوا أخلاقهم وسلوكياتهم من شر الألفاظ السيئة.
ثانيًا: الثقافة البصرية: لا يمكن للأبوين إهمال ما يشاهده أطفالهم، سواء منهم أومن غيرهم أو عبر العالم الافتراضي ومختلف المواقع ووسائل التواصل الإجتماعية، ويريدونهم في الوقت نفسه أن يكونوا أسوياء أخلاقيًا وسلوكيًا وفي ثقافتهم البصرية، فالمقاطع المصورة غير العفيفة التي يرونها في بعض ساعات النهار والليل، فإنها حتمًا تنعكس سلبا على شخصياتهم، أرادوا ذلك أم لم يريدوا، فالإسلام قد نبه الوالدين لعدم تعريض أطفالهم للمشاهدات التي من شأنها إفسادهم أخلاقيًا وسلوكيًا في المستقبل، منذ أكثر من 14 قرنًا من الزمان، قال الإسلام العظيم للأبوين أن المشاهدة الجنسية لها أثار سلبية كبيرة على أخلاقيات وسلوكيات أطفالكم مع أقرانهم، إن كانت مشاهداتهم نافعة أو فاسدة، فلهذا قال لهما وقت المعاشرة الزوجية عليكما التأكد جيدًا ومن دون تساهل، أن أطفالكما الرضع وغيرهم لا يشاهدونكما وأنتم في تلك الحالة التي لا يفهمونها ولا يدركون مدلولاتها الحقيقية بعد، لماذا؟ لأنهم قد تكون تلك المشاهدة ولو كانت مشاهدة خاطفة حتى ولو لمرة واحدة سببا في انحرافهم، سلوكيًا وأخلاقيًا، بسبب الصورة العالقة في أذهانهم عن أبويهم في تلك اللحظات الحساسة، ويتصورون أن جميع ممارساتهم المماثلة يمكنهم فعلها بلا حرج من أحد، ويكبر وتكبر معهم الصور التي رأها مباشرة، ويكبر معه الطموح في تطبيقها كما شاهدها، حتى ولو كان ذلك يخالف كليا فطرته السليمة، ما نراه في العالم من انحرفات أخلاقية قد تكون مصدرها الوالدين أو أحدهما، عندما غلبت شهوتهما عقليهما في الوقت الذي ينبغي عليهما في تلك الأوقات تغلب العقل على الشهوة الحيوانية حتى وإن كانت هائجة، عليهما كبحها حتى لا يراهما أطفالهما وهما بتلك الحالة.
ثالثًا: الثقافة العقلية: في سن مبكر يكون الطفل مستعدا لتلقي الثقافة المعرفية عن طريق القراءة، وبواسطتها يكتسب المعلومات والمعارف التي تنمي عقله وفكره وتضيف له أفكار ومعلومات جديدة، فالطفل الذي يحرم بقصد أو من غير قصد من تلقيه الثقافة العقلية يكون ضعيفًا بشكل عام، في اختياره للألفاظ، وفي أسلوب تعامله مع الأخرين، ويصعب عليه طرح الآراء المنطقية واتخاذ القرارات و المواقف السليمة، وأخطر الثقافات التي تقدم للطفل تلك التي تهون عليه ارتكاب الجريمة وإنتهاك حقوق الآخرين وتشحنه بالحقد والكراهية ضد كل من يختلف معه في الثقافة التي تلقاه، سواء كان قد تلقيها من أبويه أو من خارج دائرة أسرته، فالإرهاب الذي لا يضع للإنسانية وزنًا، وليس عنده إلاً ولا ذمة، يستهدف الأطفال الأبرياء، ويعد لهم برامج ومناهج ثقافية متطرفة، تدعوهم إلى الفتك والقتل والذبح بكل من يختلف معهم في المنهج الذي تلقاه من الإرهاب البغيض، توفر لهم كل الوسائل لممارستهم الجريمة بكل أصنافها المنكرة لدى العقلاء الواعين، لتحقيق مآربهم الشريرة الشيطانية، مثل هؤلاء الأطفال هم ضحايا الثقافة الإرهابية، يشكلون خطرًا على مجتمعاتهم والمجتمعات الإنسانية بمختلف توجهاتها ومشاربها الإيدلوجية، لأن ساحة المباحات في ارتكاب الجريمة مفتوحة إليهم ولا حدود لها، فالأباء والأمهات يتحملون وقاية أطفالهم من خلال تزويدهم بالثقافة النظيفة النافعة، التي تجعلهم نافعين لأنفسهم ولمجتمعاتهم، لكي لا يكونوا فريسة للثقافات الإرهابية والتافهة، التي تجعلهم في أسفل سافلين في الدنيا قبل الآخرة.
سلمان عبدالله