الأحد 12 مارس 2023 – 15:37
أعرف صديقا أكرمه الله بزوجة ميسورة أنفقت عليه وعلى ابنتهما أموالا طائلة، أعانته بما يفوق مائة مليون لشراء أرض فيلّته دون ضمان ولا شيك ولا اعتراف بدين ولا مشاركة في الملكية، بحكم الثقة الكبيرة بينهما. كما أعانت الزوجة ابنتها في دراساتها العليا بفرنسا وأمريكا وصلت إلى ما يفوق خمسة وأربعين مليونا، حتى أصبحت مهندسة كبيرة في فرنسا؛ دون الحديث عما صرفته على البيت وهي موظفة خارج السلم.
هذه الزوجة اليوم لم يتبق لها من إرثها سوى بعض الملايين القليلة. يقول صديقي إنه لو يَكتبُ الله موتا فجائيا له ولابنتهما فإن زوجته سترثه وترث ابنتها فيما لا يتجاوز خمسة وسبعين مليونا، على أساس الربع من كلا الهالكين، أما المعصِّبون الذين كانوا يكرهونها وظلوا يحرضونه على تطليقا وتشريد ابنتهما فسيرثون 225 مليونا. أليس من حق هذه المرأة أن تسترجع ما صرفته على زوجها وابنتهما على الأقل، أي 145 مليونا؟، دون الحديث عن تعويض رعايتها لهما أكثر من ثلاثين سنة؟
العدالة البشرية عمياء؛ لكن العدالة الإلهية مستنيرة تمكن الإنسان من وسائل تكييف النصوص مع الحاجات المتجددة، فالدين أكثر رفقا بالبشر من القوانين الجامدة أحيانا، والتي نجد القاضي يراعي في أحكامها ظروف تخفيف أو تشديد حسب النازلة.
ونحن نرى اليوم أن الذين يطبقون الشريعة بشكل جامد قلة من الأمم لا تتعدى رؤوس الأصابع (السعودية، أفغانستان، إيران، السودان، موريتانيا). ألم نتجاوز تطبيق الحد على السارق فلا تُقطع يده، لأن الزمن تبدل والغايات والوسائل والعلاقات؟ ألم تتجاوز الكثير من الأمم المسلمة تحريم الربا؛ لأن ذلك يتعارض مع الأساس السليم للاقتصاد؟ ألا نجد، اليوم، عقابا حديثا لتعويض رجم الزانية وخيانة المتزوجين؟ أليس زمننا مختلفا عن الزمن الماضي بما يدفع إلى رفع الحرج عن الناس في عصرنا الحديث؟
نحن لا نتكلم عن مطابقة تشريعنا مع القوانين والأعراف الغربية بشكل أعمى؛ لكن ما هو منطقي في الحياة البشرية يجب الأخذ به، فلا نستطيع إعطاء الضوء الأخضر للرجل ليضرب زوجته ضربا مبرحا أو غير مبرح، ولا قتل الكفار حتى يسْلموا ويستسلموا. نحن لا نعيش في جزيرة منعزلة، ولا نحن بالقوة المعرفية والعلمية والعسكرية والحضارية لنفرض على العالم رؤيتنا لعلاقة الخالق بالمخلوق.
بارتباط مع الاجتهاد في شأن الإرث الذي جاء في آيات واضحة لا مجال للاجتهاد فيها، سنجد أن الوصية مثلا، التي لم تفصَّل في القرآن، يمكن التوسع فيها بما يحفظ حقوق المتزوجة، التي تقضي أربعين سنة في خدمة زوجها وأبنائها وفي الأخير ترث الثمن؛ بينما الناس في العالم توصي بكل أملاكها لرفيقة العمر جزاء لها على إحسانها ووفائها وأحيانا بذلها العطاء المادي بسخاء لا نظير له.. فهل يكون البشر أكثر عدالة من الخالق الرحمن الرحيم؟ وفي مدونة الأسرة الكثير من مجالات الاجتهاد لرفع الضرر عن الزوجة خاصة ثم الأنثى بشكل عام، فمتى “نفيق بعيوبنا” التي أعماها الفهم الأعوج للمقدس؟
المصدر: وكالات