خلْف الضجة التي أثيرت منذ أيام حول المَعلمة التاريخية “قصر البحر” بمدينة آسفي، إثر الشروع في تثبيت أساسات كشك للتنمية الثقافية جرى هدمها لاحقا، تتوارى وضعية عامة “مزرية” للمعالم التاريخية بالمدينة، نتيجة عدم ترميمها.
ويزخر الحي القديم في مدينة آسفي بعدد من المآثر التاريخية؛ لكن أغلبها ظل عرضة للنسيان، ما جعلها تتداعى وتفقد جزءا معتبرا من أجزائها. وينطبق الحال ذاته أيضا على “قصر البحر”، الذي وإن كان يقع في موقع سياحي بمحاذاة الكورنيش، فإن أجزاء منه اندثرت بفعل غياب الترميم.
وتظهر آثار عوادي الزمن جليّة على واجهة قصر البحر، حيث تساقطت أجزاء واسعة من الأحجار التي بُنيت بها واجهته، مخلّفة فراغات مشوِّهة للمعلمة التاريخية التي يعود تاريخ تشييدها إلى القرن السادس عشر الميلادي، بينما تظهر أجزاء أخرى من سورها الخارجي على شفا الانهيار.
وإذا كان قصر البحر محروما من الترميم، فإن محيطه يعاني من غياب الاهتمام، حيث يظهر السياج الحديدي الفاصل بينه وبين الطريق وقد فقد طلاءه الأسود ليزحف محله الصدأ، بينما تحول الممر الضيق الفاصل بين السور وضريح “سيدي أحمد بن مومن” إلى فضاء لرمي الأزبال يعج بفضلات عابري السبيل.
ويسمَّى قصر البحر الواقع على الواجهة البحرية لمدينة آسفي أيضا بـ”القلعة البرتغالية”، وقد صُنف كتراث وطني بمقتضى الظهير السلطاني الصادر بتاريخ 07 نونبر 1922؛ لكن ذلك لم يشفع له في نيل نصيب من الترميم لتعزيز قوته على الصمود في وجه الاندثار الزاحف عليه من جميع النواحي.
غير بعيد عن “قصر البحر”، يوجد “باب المعصرة”؛ وهو عبارة عن ممر مفتوح تعلوه أقواس هُيئت بالحجارة، وعلى اليسار أقواس على شكل أبواب موصدة، تحولت بدورها إلى فضاء للتخلص من الأزبال والأتربة.
داخل الحي القديم توجد مَعلمة تاريخية توشك، هي أيضا، على الاندثار، حيث تداعى الجزء العلوي من أسوارها وطال التخريب واجهتها ولم تتبقّ منها سوى لوحة تعريف تحمل توقيع جماعة آسفي والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية مكتوب عليها “الكنيسة الإسبانية”.
يعود تاريخ بناء الكنيسة الإسبانية بآسفي إلى منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، كما هو مدوّن في اللوحة التعريفية المعلقة عند بابها. وبالرغم من أنها معلمة تاريخيا، فإنها أصبحت مجرد أطلال متداعية أُغلق بابها بالآجر والإسمنت ولم تسلم حتى أغطية عدّادي الكهرباء بمحاذاة الباب من الاقتلاع.
وتسابق الجمعيات الثقافية في مدينة آسفي الزمن من أجل إقناع الجهات المسؤولة بإنقاذ ما يمكن إنقاذه مما تبقى من المعالم التاريخية للمدينة، حيث وجهت رسالة إلى وزير الثقافة والشباب والرياضة، بتاريخ 26 أكتوبر المنصرم، قدمت في طيها طلبا لترميم المآثر التاريخية لمدينة آسفي وإقليمها، المصنفة تراثا وطنيا.
ويتعلق الأمر بقشلة دار السلطان المصنفة بظهير 25 نونبر 1922، والكاتدرائية البرتغالية المصنفة بظهير 21 يناير 1924، وقصبة حميدوش المصنفة بظهير 26 أكتوبر 1928، وقصبة الصويرة القديمة المصنفة بظهير 23 فبراير 1943، وقصبة آيير المصنفة بظهير 18 ماي 1953.
في تصريح سابق لهسبريس، قالت مسؤولة إقليمية للثقافة بإقليم عبدة إن مدينة آسفي “من المدن العريقة بجهة مراكش، ولا تزال تحتفظ بخصوصياتها وروحها وثقافتها التي تعود إلى الفترتين الفينيقية والقرطاجية”.
وأكدت أن “الفوسفاط واكتشاف جمجمة أقدم إنسان عاقل على وجه الأرض تعود إلى أكثر من 300 ألف عام بجبل إيغود باليوسفية، التابعة لإقليم آسفي، وحدهما يدلان على العمق التاريخي لهذه المدينة”؛ غير أن واقع المآثر التاريخية بحاضرة عبدة، اليوم، يعكس غياب الاهتمام برصيدها من الرأسمال غير المادي المتميز.
الجمعيات الثقافية السبع الموقعة على الرسالة الموجهة إلى وزير الثقافة والشباب والتواصل نبهت إلى أن المآثر التاريخية، التي طالبت بإدراجها ضمن مشاريع الترميم التي تعتزم الوزارة تنفيذها خلال العام المقبل، “أصبحت في حالة مزرية نتيجة التصدعات التي طالتها منذ سنوات”.
وأشارت الجمعيات ذاتها إلى أن المآثر المذكورة “مغلقة كلها في وجه الزوار، كما أنها لم تستفد من برامج الصيانة والترميم منذ ما يزيد على 20 سنة، بل منها من لم يستفد من الترميم منذ تصنيفها، كالقصبات التاريخية المتواجدة بالإقليم”.
ويستغرب سكان مدينة آسفي من عدم إيلاء العناية للمعالم التاريخية للمدينة، واستغلالها لجعلها وجهة سياحية؛ فبالرغم من أن آسفي تحوي كنوزا تاريخية مهمة، فإنه يندُر أن تصادف بها سائحا أجنبيا.
هذا الاستغراب عبر عنه عمر، شاب من أبناء مدينة آسفي، بقوله، في حديث لهسبريس، إن “كثيرا من المستثمرين في مدينة آسفي يستثمرون في القطاع السياحي بمدينة مراكش، لأن الحركة السياحية هنا “مقتولة””.
المصدر: وكالات