الساعة الآن تشير إلى التاسعة صباحا، حافلات تصل تباعا إلى مركز التدريب للمصالح الاجتماعية للقوات المسلحة الملكية بمدينة تمارة وعلى متنها شابات في مقتبل العمر، جئن من مختلف أقاليم جهة الرباط سلا القنيطرة ليلبين نداء الوطن عن طوعية واختيار بعدما اخترن خوض تجربة الخدمة العسكرية، في إطار التجريدة الثامنة والثلاثين برسم السنة الجارية، التي تستمر عملية انتقاء أفرادها إلى غاية السادس من شهر شتنبر الجاري.
تنزل المرشحات للخدمة العسكرية برفقة أمتعتهن من الحافلة التي دخلت لتوها إلى باحة مركز التدريب للمصالح الاجتماعية للقوات المسلحة الملكية، قبل أن تنتظمن في صف طويل ليتحرك الجمع بأمر من مسؤول عسكري وصولا إلى خيمة بيضاء يتوسطها مكتب تقتعده شابات بزيهن العسكري، يُشرفن أولا على عملية التثبت من هوية المتطوعات اللواتي تتجهن بعدها نحو خيمة أخرى حيث يتم إجراء الفحص الأمني للأمتعة يدويا وبالاستعانة بالكلاب المدربة.
بعد تفتيش أمتعتهن، تجلس المجندات في خيمة ذات لون يشبه لون أزياء الجنود والضباط الذين يحيطون بها من كل جانب، في انتظار المناداة عليهن لاستكمال باقي الإجراءات والفحوص، قبل أن تنتقلن في مجموعات صغيرة إلى قاعة يشرف عليها ضباط صف حيث يتم إعداد ملف لكل مرشحة والتي يجب أن تصطحب معها بطاقة تعريفها الوطنية ونسخ من عقد الازدياد إضافة إلى نسخ مصادق عليها للشواهد المُتحصل عليها.
أكثر من 700 متطوعة ومراحل حاسمة
الملازم أول سناء بلكادة، رئيسة لجنة مجموعة تأطير المجندات بمركز التدريب للمصالح الاجتماعية للقوات المسلحة الملكية بمدينة تمارة، قالت إنه “تنفيذا للتعليمات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية نصره الله وأيده، ستتواصل عملية استقبال المتطوعات للخدمة العسكرية والبالغ عددهن أكثر من 700 متطوعة من فاتح شتنبر وإلى غاية السادس منه”.
وأضافت المسؤولة العسكرية ذاتها أنه “تم توفير جميع الوسائل اللوجستيكية والموارد البشرية، من أطر إدارية وطبية، لمرور عملية الانتقاء في أحسن الظروف والتي تمر عبر مراحل مهمة عديدة”، مشيرة إلى أنه “في نهاية الانتقاء ومن بين المؤهلات سيتم استقطاب 350 مجندة لصالح مركز التدريب للمصالح الاجتماعية للقوات المسلحة الملكية وإرسال فئة أخرى منهن إلى مختلف مراكز التكوين التابعة للقوات المسلحة الملكية؛ فيما ستستفيد غير المؤهلات منهن من قسيمة للتنقل بشكل مجاني إلى أماكن إقامتهن”.
بعد التحقق من استكمال المتطوعات لكل الوثائق الإدارية المكونة لملفهن، تنتقلن إلى قاعة تشرف عليها ممرضات لا تفارق الابتسامة وجوههن في محاولة لتهدئتهن بما أن مرحلة الفحص الطبي اللواتي سيبدأنها لتوهن هي المرحلة شبه الحاسمة في عملية انتقاء المؤهلات لأداء الخدمة العسكرية، حيث يتم قياس الضغط الدموي والحدة البصرية إضافة إلى كل من الطول والوزن؛ وهي عوامل مهمة في العمل العسكري، خاصة في شقه الميداني.
بعد هذه المرحلة، تتوجه المتطوعات إلى قاعة أخرى لاستكمال باقي إجراءات الفحص الطبي الذي تشرف عليه الطبيب النقيب مريم العباوي، رئيسة لجنة الفحص الطبي بالمركز، التي صرحت لهسبريس: “نحن الآن على مستوى الورشة الطبية التي تمر منها المتطوعة عبر مراحل عديدة؛ أولاها مرحلة الثوابت الفيزيولوجية التي تتضمن الطول والوزن والضغط الدموي والحدة البصرية، ثم المرحلة الثانية التي يشرف عليها أطباء عديدون مدنيون وعسكريون للتأكد من الصحة البدنية والنفسية للمتطوعات من أجل الخدمة العسكرية”.
مرحلة أخيرة ومشاعر متضاربة
من ورشة الفحص الطبي إلى قاعة أخرى على جنبات المركز، انتقلت جريدة هسبريس رفقة المتطوعات، هناك حيث تمثل كل متطوعة أمام لجنة تضم ضباطا وضباط صف من القوات المسلحة الملكية والدرك الملكي، يتوسطهم قائد الحامية العسكرية للرباط-سلا ومدير مركز التدريب للمصالح الاجتماعية للقوات المسلحة الملكية، يطرحون بعض الأسئلة الروتينية على كل متطوعة قبل أن يتمنوا لها التوفيق في انتظار صدور اللائحة النهائية للمتطوعات المقبولات لأداء الخدمة العسكرية.
تسأل جريدة هسبريس المتطوعة هاجر بوحيا، من مواليد مدينة سلا الجديدة، والتي أنهت لتوها المقابلة مع اللجنة سالفة الذكر، عن سر وجودها في هذا المكان. لا تتردد كثيرا بما أن الجواب لا يحتمل الانتظار قائلة: “أنا جد سعيدة بالتطوع لأداء الخدمة العسكرية؛ ذلك أنني سجلت نفسي بالبوابة الإلكترونية المخصصة لهذا الغرض بهدف تنمية قدراتي التعليمية والمهنية”.
وحكت الشابة، البالغة من العمر 22 سنة والحاصلة على ديبلوم التقني المتخصص في المعلوميات، أنها كانت مولوعة منذ نعومة أظافرها بالميدان العسكري، مسجلة أنها لم تلاق أية صعوبة لدى تسجيلها في الموقع الإلكتروني الخاص بالخدمة العسكرية لتتوصل بعدها باستدعاء في هذا الشأن، ومنّت الشابة النفس بأن تكون من المتطوعات اللواتي ستحظين بشرف ارتداء البذلة العسكرية.
من جهتها، سجلت آية عمادي، متطوعة من مدينة القنيطرة تبلغ من العمر 20 سنة، أنها “عاينت لأول مرة إعلان انطلاق التسجيل بالنسبة للراغبين في أداء الخدمة العسكرية عن طريق وصلة تلفزيونية قبل أن تقترح الأمر على والديها اللذين شجعاها على التطوع”، مشيرة إلى أن “كل مراحل الانتقاء مرت في ظروف جيدة؛ بما فيها عملية النقل التي كانت مجانية”.
لدى مغادرتنا مركز التدريب للمصالح الاجتماعية للقوات المسلحة الملكية بمدينة تمارة، صادفنا عند الباب الرئيسي جمعا من الأمهات والآباء الذين ينتظرون على أحر من الجمر صدور اللائحة النهائية للمجندات الجدد. ملامحهم وعيونهم تضاربت فيها المشاعر والأحاسيس بين خوف من إقصاء فلذات أكبادهم وأمل في رؤيتهم ببذل عسكرية وهم يخدمون وطنهم ويدافعون عنه تحت الشعار الخالد: الله، الوطن، الملك.
المصدر: وكالات