الإثنين 30 أكتوبر 2023 – 09:03
قبل البدء في الكلام لا نعرف معيار الحكومة المغربية المحدد للأسرة المعوزة، هل هو معيار دولي يُحتسب بالدولار اليومي؟ (التضخم في المغرب تجاوز سقف العوَز الدولي المحسوب بثلاثة دولارات ونصف يوميا) أم هو معيار مغربي يشهد على حقيقة صراع المواطن مع الأسعار كل يوم؟ المغاربة يؤمنون اليوم بأن 2000 درهم شهريا لا تُخرجك من الدائرة الواسعة للعوز، وسنقبل هذا الحد الأقصى لاستحقاق الدعم المباشر.
ما قاله السيد رئيس الحكومة عن الدعم المباشر للأسر الفقيرة يُفرح القلب ويُطَمْئِن الأفئدة؛ أخيرا يستطيع المغاربة الفقراء أن يواجهوا تبعات إلغاء الدعم الموجه للمواد الاستهلاكية، مثل الدقيق والسكر والغاز مستقبلا. ستتخفف الميزانية العامة أخيرا من أعباء ثقيلة، وحتى لا يستفيد من صندوق المقاصة الأغنياء والمقاولات الصغيرة والكبيرة ظلما وعدوانا؛ كما أنه جازاه الله خيرا فصّل في هذا الدعم ولم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحاط بها، لأن الفقراء ليسوا على مقاس واحد، من حيث العدد والدخل القار وغير القار الذي سيؤخذ بعين الاعتبار قبل الدعم.
غير أن إجراءات تقديم هذا الدعم هي التي تهمنا في هذا المقال، كيف تصل أموال الحكومة إلا الفقير دون لف أو دوران؟ ما هي الأجهزة التي ستتكفل بحصر المستفيدين ونوع الدعم المقدم لهم؟ كيف نراقب هذه العملية المعقدة التي تمس ملايين الموطنين، وتحتسب بملايير الدراهم؟ من هم الملائكة الذين سيتسلمون المال كما هو ويدفعونه – بأمانة لا يُطعن فيها- للمستفيدين؟ ما هي التلاعبات الممكنة في هذه الإجراءات الإدارية المالية؟.
لن نكون سَيّئي الظن فنشتري العصا قبل الغنم، ولكن ننبه إلى وجوب مرافقة الدعم برقمنة شاملة للمستفيدين وللمعايير المتحكِّمة في تقديمه لهم، فلا يتوصل به إلا المستحقون له، ولا يحرم منه من هم أهل له. حتى لا يتوصل البعض بدعم مضاعف مرتين أو ثلاثا أو أكثر، ولا تتحول أسر ذات طفل أو طفلين إلى ذات خمسة وستة، ولا تنشأ أسر من العدم لا وجود لها في الواقع؛ مع تلاعبات كثيرة الشيطان وحده يعرف تفاصيلها.
موظفو وزارة الداخلية هم الذين سينفذون إجراءات الدعم، من المقدم إلى الشيخ إلى الخليفة إلى القائد إلى العامل، وحتى الوالي في الجهات والإدارة المركزية، لأنهم هم المتحكمون في القاعدة البيانية للسكان. كل هؤلاء نثق فيهم ونأمل أن يذهبوا بالدعم المباشر إلى الغايات القصوى بنجاح؛ لكن من يضمن أن البعض سيُلجِم طمعه أمام الأطنان الهائلة من الدراهم؟ فتتحول بجرة قلم، بمراوغة بسيطة “برق ما تقشع”، بأحابيل، لا يعرفها سوى أهل مكة، إلى “مال سايب”.
ولتحصين هذه الإجراءات يجب جعلُها شفافةً تُعرض على بوابة الأنترنيت، بأسماء وصفات ووضعيات المستفيدين، وتسهيل الاطلاع عليها من طرف الجميع، وتخصيص موقع إلكتروني للشكايات والاقتراحات والتبليغ عن الخروقات. وفي هذه الحالة سيجد أصحاب “جابها الله” صعوبة في سرقة المال العمومي كما هو معمول به في التقاليد الإدارية السابقة. كل هذا غيرة منّا على بلدنا، الذي كلما سنّ سنة اجتماعية حميدة في صالح المجتمع يتم استغلالها لأغراض شخصية ضيقة، خلقت اليوم أغنياء فاحشي الغنى، أفظع من أغنياء الحرب الذين ذمهم التاريخ ولعنتهم الشعوب.
المصدر: وكالات