احتساء الشاي المعد بالطريقة التقليدية تقليد لا يمكن الاستغناء عنه لدى الصناع التقليديين بمدينة فاس العتيقة، فهو بالنسبة إليهم مقاوم للإرهاق، ومزيل للتعب، ومجدد للنشاط والحيوية لمواصلة العمل المضني طيلة اليوم.
وشكل “المعلم” عبد الله التواتي، الذي زاول مهنة إعداد وبيع الشاي على مدى أزيد من نصف قرن، مقصدا لعدد كبير من حرفيي “فاس البالي” لاحتساء الشاي بمحله البسيط، الذي يشكل جزءا من معالم زنقة المشاطين بحي الصفارين العتيق.
ولم يعد زبائن “المعلم” عبد الله من عشاق احتساء الشاي من الصناع التقليديين فحسب، إذ أصبح محله، أيضا، مقصدا لزوار حي الصفارين؛ فزيارة هذا المكان لا تكتمل إلا باحتساء كأس شاي بمحل أقدم بائع شاي بالمدينة العتيقة لفاس.
يقول “المعلم” عبد الله، في حديثه مع هسبريس، وابتسامته العريضة تعلو محياه، إنه بدأ الاشتغال في إعداد الشاي وبيعه منذ سنة 1969، وذلك عندما كان يبلغ من العمر 14 سنة، مبرزا أنه يتذكر أن ثمن كأس شاي، آنذاك، كان لا يتعدى ستة ريالات (حوالي ربع درهم).
وأضاف أقدم بائع شاي بالمدينة العتيقة لفاس، الذي قال إنه تزوج ودرس أبناءه بفضل عائدات مهنته هاته، أن زبائنه كانوا، على الخصوص، من فئة الحرفيين، مثل الجزارين و”الدرازة” و”الجباسة” و”الخرازة” و”البزاطمية” و”السطارمية” و”الصواينية”، مشيرا إلى أنه اكتسب ثقة فئة جديدة من الزبائن، منهم شباب المدينة العتيقة وزوارها.
وتابع “المعلم” عبد الله، الذي يشارف على سبعين سنة من العمر، بأنه حافظ على إعداد الشاي بالطريقة التقليدية التي كانت عليها منذ عقود؛ مشيرا إلى أنه، باستثناء تعويض “الفاخر” (الفحم الحطبي) بقنينة غاز الطبخ، مازال يستعمل الأدوات ذاتها التي كان يعد بها الشاي منذ القدم.
وتشكل “الزيزوات”، التي هي عبارة عن كؤوس نحاسية ذات يد ممدودة يطبخ فيها الشاي، و”العلاقة”، التي يستعملها في إيصال كؤوس الشاي إلى الحرفيين والتجار بمحلاتهم، و”الكافيتاريا” النحاسية التي يغلى فيها الماء، الأواني الرئيسية التي يستعملها “المعلم” عبد الله في إعداد الشاي.
“المعلم” التواتي أوضح، وهو يتحدث للجريدة، أنه يقدم الشاي بمحله بمذاق الأعشاب الطبيعية المختلفة، مثل “السالمية” و”الشيبة” و”مرددوش” والنعناع “العبدية” و”الفليوية” و”الزهر”، التي قال إنه يعمل على تنظيفها جيدا قبل الاستعمال.
وأكد أقدم بائع شاي بالمدينة العتيقة لفاس أنه ظل وفيا لاستعمال حبات الشاي من النوع الجيد، كما واظب على تجنب استعمال ماء الحنفية الذي أكد أنه يعوضه بما أسماه “الماء البلدي”.
وواصل “المعلم” عبد الله، وهو يتحدث بشغف عن طريقته في إعداد الشاي، بأنه يترك الماء يغلي على نار هادئة داخل “الكافيتاريا”، وذلك قبل أن يصبه داخل “الزيزوات” النحاسية، بعد أن يكون قد وضع فيها حبات الشاي وقطع السكر والأعشاب، ليعمل على طبخ الخليط بشكل جيد.
وشدد أقدم بائع شاي بالمدينة العتيقة لفاس على أنه رغم أن أسلوب الحياة تغير كثيرا بالمدينة العتيقة لفاس، بعد أن رحل عنها من وصفهم بـ”أهل فاس”، فإن إعداد الشاي بمحله مازال كما كان عليه الحال منذ عقود، مبرزا أنه يحب مهنته ويبحث دائما عن تقديم أجود الكؤوس من الشاي “المشحر”؛ لإرضاء زبائنه من مختلف الفئات والأعمار.
المصدر: وكالات