قال الدكتور عبد الله بوصوف إن المغرب تأثر كغيره من البلدان بتداعيات زمن “كورونا” والحرب الدائرة رحاها في أوكرانيا منذ فبراير 2022، مستحضرا في هذا الصدد الخطوات الكبيرة في معادلة الدولة الاجتماعية ودعم الفئات الهشة والأسرة والأطفال والسجل الاجتماعي الموحد وتوسيع دائرة المستفيدين من الدعم المباشر والتغطية الصحية وخلق لجنة مكلفة بإعادة قراءة مدونة الأسرة.
واعتبر الأكاديمي ذاته، ضمن مقال توصلت به هسبريس معنون بـ”سنة 2023.. والمستحيل ليس مغربيا” الحصاد السياسي والدبلوماسي والاجتماعي المغربي لسنة 2023، الذي حقق تراكما إيجابيا وامتحانا للشخصية المغربية، يجعلنا نستقبل سنة 2024 بجرعة أمل كبيرة مع الكثير من الجدية وبطعم القادم أفضل.
وهذا نص المقال:
واظبت العديد من المعاهد الفكرية ومراكز البحث العلمي ومؤسسات حكومية أو أممية والعديد من المواقع الإعلامية المتخصصة على تنظيم أمسيات واحتفالات خاصة بتوديع السنة الميلادية، من خلال تكريم الشخصيات الفكرية والعلمية البارزة كجوائز “نوبل” أو نشر صور شخصيات السنة كمجلة “التايمز” أو نشر لوائح ترتيب أغنياء العالم كمجلة “فوربس”… ولوائح أخرى خاصة بالكتب الأكثر مبيعا أو الأماكن الأكثر جذبا للسياح أو للاستثمار أو أكثر الأطباق طلبا… وجائزة “الكرة الذهبية” للاعبي كرة القدم من طرف مجلة “فرانس فوتبول ” وغير ذلك كثير.. كما جرت العادة على جرد حصيلة المكتسبات السياسية وعرضها كحصاد سنوي، سواء داخل هذا البلد أو ذاك..
لذلك، يتملكنا الكثير من الفخر ونحن نحاول قراءة الحصاد المغربي لسنة 2023 وتأثير ذلك على مستوى موقعه كأحد الفاعلين في المعادلات الدولية أو على صورته بالخارج… هذا في ظل صراعات سياسية بالخارج ومعارك إعلامية وحملات عدائية مفضوحة وكوارث طبيعية (زلزال الحوز)…
بطبيعة الحال، فقد تأثر المغرب كغيره من البلدان بتداعيات زمن “كورونا” وبالحرب الدائرة في أوكرانيا منذ فبراير 2022. وظهر ذلك من خلال ارتفاع أسعار المواد الأساسية ومواد الطاقة والنقل والحبوب… كما تأثر بمشكل ندرة الماء وقلة التساقطات.. وعرفت شوارع المملكة مسيرات احتجاجية قطاعية مهمة، كالمحاماة والتعليم وغيرهما…
بالمقابل، عرفت سنة 2023 خطوات كبيرة في معادلة الدولة الاجتماعية ودعم الفئات الهشة والأسرة والأطفال والسجل الاجتماعي الموحد وتوسيع دائرة المستفيدين من الدعم المباشر والتغطية الصحية وخلق لجنة مكلفة بإعادة قراءة مدونة الأسرة… ومجهودات كبيرة لتوفير مناصب الشغل كالمبادرة الملكية بضخ 50 مليار دولار على مدى 5 سنوات بين القطاعين العام والخاص لخلق 500 ألف منصب شغل… بالإضافة إلى دور صندوق محمد السادس للاستثمار الاستراتيجي… وتنويع الاقتصاد المغربي كصناعة السيارات والهيدروجين الأخضر ودعم برامج السياحة ومشاريع تحلية مياه البحر… والرقم التصاعدي لتحويلات مغاربة العالم ودورها في دعم وتعزيز الاحتياطي المغربي من العملة الصعبة…
على أنه لا يفوتنا في هذه العجالة التذكير بتداعيات الإنجاز الرياضي المغربي في مونديال قطر في نهاية سنة 2022 على مستوى الرفع من درجة الانتماء للوطن والاستقبال الشعبي والملكي الكبير لكل مكونات المنتخب المغربي بالقصر الملكي من جهة، وعلى مستوى الإشعاع الرياضي المغربي بالخارج واستحقاقه تنظيم ملتقيات رياضية إقليمية كدوري “الكاف” 2025، وعالمية ككأس العالم لسنة 2030 مشاركة مع إسبانيا والبرتغال.. في إنجاز رياضي غير مسبوق شكل حلم المغاربة منذ رمن غير يسير… من جهة ثانية.
كما أن الدرس المغربي الكبير في مجال التضامن الاجتماعي والتماسك الأسري وصور قوافل المساعدات من كل المناطق المغربية وتبرع جلالة الملك بالدم والمال وزيارة المصابين بمستشفى مراكش أثناء زلزال الحوز المدمر في شهر يوليوز 2023… هو عنوان كبير لانتصار “تمغرابيت” سواء في زمن كورونا أو زمن مونديال قطر، وفصل جديد من ملاحم العرش والشعب ينضاف إلى أخرى في سياقات زمن المقاومة والاستقلال أو مرحلة استكمال الوحدة الترابية والمسيرة الخضراء… وتأكيد بأن التضامن المغربي هو جزء من البصمة الوراثية للأمة المغربية…
الإشعاع المغربي بالخارج لم يتأثر بالحملات الإعلامية المشبوهة أو بالأخبار الزائفة أو بمحاولات شيطنة المغرب، سواء بالبرلمان الأوروبي أو بمجلس الأمن ومجالس حقوق الإنسان… بدليل ارتفاع الدعم الدولي لقضية الصحراء المغربية وتوصيف مبادرة الحكم الذاتي بالقوية والعادلة والفعالة، وفتح المزيد من القنصليات بمدن الصحراء المغربية، بالإضافة إلى تقوية برامج التنمية للنهوض بالمناطق الصحراوية تمهيدا لتأهيلها وترسيخها كباب المغرب للعمق الإفريقي.
وهنا، لا يمكن لكل قارئ نزيه القفز عن حدثين بارزين في مجال العلاقات الدولية وحمولتهما الاستراتيجية: فأولهما خطاب ذكرى المسيرة الخضراء في نونبر 2023 والمتضمن أولا لمبادرة إحداث إطار مؤسسي يجمع 23 دولة إفريقية أطلسية بهدف تحقيق التكامل الاقتصادي وشروط الاستقرار السياسي.. وثانيا لطرح مبادرة دولية لتمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي بعد فشل المقاربات الأمنية والعسكرية وتعدد الانقلابات بالمنطقة…
وثاني الحدثين البارزين زيارة الأخوة والصداقة لجلالة الملك محمد السادس إلى أخيه رئيس دولة الإمارات في 5 دجنبر 2023 وما رافق ذلك من توقيع مذكرات تفاهم حول ملفات استراتيجية مهمة في مجالات الأمن المائي والطاقي والغذائي والبنية التحتية… وأنبوب الغاز الطبيعي الرابط بين نيجيريا والمغرب عبر دول الواجهة الأطلسية الإفريقية.. كلها تعكس عمق العلاقات المغربية / الإماراتية…
ليس هذا فحسب، فقد عرفت الأجندة الملكية لسنة 2023 جولة جديدة لإفريقيا، بمحطة دولة الغابون وتقديم مساعدات تساهم في تأمين الأمن الغذائي لذات الدولة الإفريقية؛ في حين تأجلت محطة السينغال لظروف صحية لجلالة الملك محمد السادس… كما تميزت برسائل ملكي قوية للمشاركين في الدورة الرابعة لمنتدى الاستثمار الإفريقي بمراكش في شهر نونبر 2023.. وللمشاركين في “المؤتمر البرلماني الدولي حول حوار الأديان” بمراكش في شهر يونيو 2023 أو المشاركين في “المنتدى العالمي لتحالف الحضارات” بمدينة فاس في شهر نونبر 2023…
المغرب كفاعل دولي في العلاقات الدولية بصم على حضور قوي خلال القمة العربية بمدينة جدة بالسعودية في ماي 2023، وبالقمة الروسية الإفريقية بمدينة سانت بطرسبورغ في شهر أكتوبر 2023، والقمة العربية الإسلامية غير العادية بشأن غزة بمدينة الرياض في نونبر 2023، وكان المغرب قد دعا إلى عقد اجتماع طارئ للجامعة العربية بمدينة القاهرة في أكتوبر 2023 للتشاور بشأن تدهور الأوضاع في قطاع غزة واستهداف المدنيين.
كما احتضنت مدينة مراكش، خلال هذا العام، أيضا، الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين بمراكش في شهر أكتوبر 2023، وأشغال “المنتدى العربي الروسي” في 20 من شهر دجنبر 2023… فيما انطلق المشروع الملكي بخصوص دول الساحل والمنفذ الأطلسي باجتماع تنسيقي لوزراء مالي وتشاد وبوركينافاسو والنيجر بمدينة مراكش يوم 23 دجنبر…
كل هذا يجعل من الحصاد السياسي والدبلوماسي والاقتصادي والاجتماعي المغربي لسنة 2023 تراكما إيجابيا جديدا وامتحانا للشخصية المغربية في زمن التحديات يمهد لبدايات جديدة ولصفحات مشرقة جديدة في مجال التنمية المستدامة والدولة الاجتماعية والمشروع الملكي بخصوص الواجهة الأطلسية والمتوسطية وأنبوب الغاز النيجيري…. خدمة للمصالح المشتركة الإفريقية ودعما لشروط التنمية والاستقرار بإفريقيا… ومن أجل إفريقيا مزدهرة..
نستقبل، إذن، سنة 2024 بجرعة أمل كبيرة مع الكثير من الجدية وبطعم القادم أفضل.
المصدر: وكالات