يظهر أن الزمن المتبقي من عمر الحكومة سيرفع الرهانات عاليا لإنجاح العديد من المشاريع التي مازالت متعثرة، ومنها ورش الانتقال الرقمي، الذي لم يفلح حتى اليوم في إرساء إدارة رقمية وتجويد الخدمات المقدمة للمرتفقين، من حيث طلب الوثائق الإدارية وأيضا الحصول عليها دونما حاجة إلى التنقل إلى المرفق العمومي؛ وهي تحديات صارت أكثر جدية مع دخول المغاربة “عصر المجتمعات الرقمية”.
المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي سجل قبل أسابيع أمام لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب أن المغرب يعرف تعثرا على مستوى رقمنة الإدارة العمومية. وتبدو لغة الأرقام أكثر دلالة، بحيث أشار “مجلس الشامي” إلى أن مؤشر التنمية في الحكومة الرقمية وضع المغرب في الرتبة 101 من بين 193 دولة، وهو ما يؤكد أن المسار مازال شاقّا أمام التقنية.
وتبدو السنة الجديدة فرصة حاسمة في خطّة رقمنة الإدارة، لكون المجلس سالف الذاكر أكد حينها أن المغرب لديه طموح أن تكون 50 بالمائة من المساطر الإدارية إلكترونية في أفق 2025، وأن يصل رضا المستعملين إلى معدل 80 بالمائة؛ مع تقليص أوجه عدم المساواة في الولوج وتبسيط ورقمنة الخدمات بشكل شامل. غير أن “مشكلة العقليات التقليدية في الإدارة” و”غياب القرار السياسي” مازالا يصعّبان انتقال المغرب إلى الرقمية في الإدارة.
جهود غير كافية
مهدي عامري، جامعي ومتخصص في الرقمية، أكد أن “الإدارة المغربية مازالت تعاني من البيروقراطية الرقمية، بحيث مازالت الخدمات الرقمية في حاجة إلى تأهيل، لكون العقليّة الإدارية مازالت تعرف محدودية عالية وتمسكا بالنهج القديم”، موضحاً أن “المرفق العمومي الإلكتروني ظلّ محاصراً لهذا السب رغم المعطيات الرسمية الكمية التي تقدّم لتقييم ورش الرقمنة، التي لا تعكس أي جودة في الخدمات المقدمة”.
وأوضح عامري، في تصريحه لجريدة هسبريس، أن “هناك أسبابا أخرى وراء تأخر رقمنة الإدارة بالمغرب، على رأسها استمرار ذوي العقليات المنغلقة والمحافظة في تسيير الإدارة على المستوى المركزي، والنظر إلى الرقمنة على أنها ترف فكري ومنهجي، وعدم الجدية في تدبير ملف الرقمنة بذريعة نقص الميزانية المرصودة لها، إلخ”، مشيرا إلى “دور المقاربة الأمنية الاستخباراتية التي مازالت موجودة بكثرة في أغلب الإدارات بالمغرب، والتي تعدّ السبب المباشر في عرقلة الرقمنة وعدم تنزيلها بالشكل المطلوب على أرض الواقع”.
إلى ذلك، أبرز المتحدث عينه أن “هناك جهوداً ملحوظة في هذا الجانب، لكنها تظلّ غير كافية، لكونها لا تتيح رصد زيارات المواقع وعدد ردود المجيب الآلي وحجم الخدمات والملفات المتاحة، بغض النظر عن استجابتها للحاجيات الفعلية للمرتفقين”، لافتا إلى أن “الوسائل التي أتاحتها الدولة من قبيل التطبيقات الرقمية والبوابات، بغاية تسهيل الارتفاق وتوضح المساطر الإدارية والإرشاد والحصول على المعلومات، إلخ، تستدعي تصوراً واضحا للمرور إلى إدارة مرقمنة 100 في المائة، وتراعي شروط تملك الوسيلة التقنية”.
قرار سياسي
مصطفى الويزي، الباحث المتخصص في التواصل والإعلام، أفاد بأنه “رغم إعلان ورش الانتقال الرقمي بالمغرب ورقمنة الإدارة مازلنا منحصرين في الشق التقليدي الذي ورثناه عن النموذج الفرنسي اليعقوبي في الإدارة، والقائم على مركزية الإدارة والاتصال المباشر، حتى بالنسبة لوثائق مثل شهادة الازدياد وشهادة السكنى، إلخ”، موضحاً أن “رقمنة الإدارة المغربية، بشكل يستطيع المرء أن يرتفق من الإدارة ويطلب الوثائق الإدارية عن بعد دون ضرورة الاتصال المباشر، أصبحت ملحة للغاية”.
وأشار الويزي، في حديثه لهسبريس، إلى أن “الفئات الهشة اجتماعيا، التي تعاني أكثر من الأمية، تعدّ هي المتضرر الأكبر من هذا الموضوع، لكونها أقل تواصلاً، وبالتالي أقل ولوجية إلى الخدمات الرّقمية، فهي تعاني من إشكالية تملك التّقنية”، موضحاً أن “إنجاح ورش تأهيل الرقمنة يتطلب نوعا من التدرج في تأهيل في الإدارات العمومية ويحتاج تلبية عدد من الشروط، التي تتعين على الدولة مراعاتها لتفادي الثقل القديم الورقي والمادي في التواصل”.
ولفت المتحدث ذاته إلى أن “الإدارة أعلنت أنها تبحث عن الدخول إلى الوسائل الجديدة، وهو طموح معلن، بيد أن التأخر الذي يعيشه هذا الورش على أرض الواقع أفقد التواصل العمومي فعاليته المطلوبة، وجعل رقمنة الإدارة مشروعا هشّا إلى حدود الساعة، إن لم نقل مؤجلا إلى حين”، مبرزا أن “الإسراع ضروري، لكنه يحتاج إلى قرار سياسي واضح، لأن الانتقال الرقمي بعقلية تقنوية لا يكفي، فالأمر يحتاج إلى وسائل لوجستية وإلى بنيات تحتية، إلخ”، وختم بالقول: “يتعين اليوم الخروج من المنهج التواصلي المباشر الذي يثقل كاهل الإدارة”.
المصدر: وكالات