“إجراءات متأخّرة ولكن مطلوبة”، هكذا ردّ الائتلاف المدني من أجل الجبل، في شخص رئيسه محمد الديش، على سؤال لهسبريس بخصوص إعلان وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت التفكير في “وضع برنامج مُقبل لتقليص الفوارق المجالية، يكرس نجاحات البرنامج المنتهي، وفي الوقت نفسه يحارب بعض العيوب والإشكالات التي تكشَّفت عند تنفيذه”، معتبرا أنه “لابد من إشراك فعاليات المجتمع المدني لإنجاحه، وضمان عدم التكرار”.
ولم يكتف الديش بهذا الحد، بل ذهب أبعد من ذلك حين “انتزع” صفة “الفعالية الميدانية بخصوص البرامج السابقة”، التي اعتبرها “محدودة”، لكونها “في جزء كبير منها كانت بعيدة عما يجري في الواقع، وعن الحاجيات الحقيقية لمن اختار الجبل مسكنا وملجأ، لأنها صِيغتْ من المكاتب والقاعات المكيفة في المراكز بعيدا عن الهوامش والمداشر والجبال والقرى المعنية بها”.
وقال المتحدث عينه: “إن التّفكير في معالجة جديدة لمشكل المناطق الجبلية يعدّ مطلوبا، رغم أننا نعتبره صراحة جد متأخر، لكون هذه الفضاءات الخصبة تكتنز موروثا سوسيوثقافيا وبيئيا مثيرا للاهتمام”، مؤكدا أن “المناطق المرتفعة تعرّضت لسياسة تهميش مُمنهجة بسبب عدم مبالاة المسؤولين، وهو ما يجعل الحاجة اليوم مكثّفة إلى الاشتغال على كل الجبهات الممكنة”.
وأوضح رئيس الائتلاف المذكور، ضمن إفاداته لهسبريس: “ما أشرنا إليه دائماً هو أنه كان من المفروض أن تفكر السلطات العمومية بتنسيق مع الفاعلين المدنيين على الأرض للخروج بتصورات ذات فاعلية ورؤى تنموية مندمجة، قادرة على التعامل بشكل شامل مع معضلات المناطق الجبلية”، مشيراً إلى أن “الفظاعات التّنموية كانت واضحة ومعروفة لدى من يعيش في المرتفعات أو من يطلع عليها، لكن المسؤولين تكتّموا عنها وتجاهلوها”، وفق تعبيره.
وتابع الديش: “زلزال 8 شتنبر فضحَ كلّ شيء، وأطلع جميع المغاربة على الحقيقة، بل كل الحقيقة التي كانت مغيّبة ومسكوتاً عنها وتدخل في خانة اللامفكّر فيه”، لافتاً إلى أن “التّدخلات اليوم تحمل صفة الاستعجال، مع منح تمييز إيجابي لهذه الفضاءات، خصوصاً في ما يخص مشكلة الماء، التي تعد الجبال أحد أكثر المناطق تضرّرا منها، بسبب غياب تصوّر جدي في السابق يسهم في الحفاظ على مياه الفيضانات والسيول”.
وأضاف الفاعل المدني شارحا: “المناطق الجبلية لو جرى تفعيل سياسات استباقية فيها من خلال إنشاء سدود صغرى وأحواض مائية في القمم والأعالي لكان من الممكن تجنيبها هذه الوضعية المخيفة التي وصلت إليها؛ فمن الصعب الحديث عن وصول المياه التي تخضع للتحلية إلى هذه المناطق البعيدة والمرتفعة، ونحن لا نعرف حتى الآن الصيغة التي ستعتمدها الجهات المسؤولة في هذا الصدد، لاسيما أن الجبال تعيش ندرة حقيقية وشحا عاليا في الموارد المائية”.
ودعا الديش وزارة الداخلية إلى التفكير في “الحد من الهجرة من خلال تسريع أوراش تقليص الفوارق المجالية، لكون الرغبة في إخلاء المناطق الجبلية ستعرف ارتفاعا مع مرور الأيام، وستكون فرصة سيئة سنخسر فيها عنصرا ثقافيا واجتماعيا غنيّا ونفيسا، بحكم أن الجبال مازالت تعدّ اليوم خزّانا للقيم المغربية الأصيلة، وأيضا من حيث علاقة الناس بالمجال وبالأرض”، مشيرا إلى أن “عدم تقليص الفوارق المبنيّة على المجال سيخلقُ ضغطاً كبيراً على المدينة والحواضر بحكم ارتفاع وتيرة الهجرة”، وزاد: “الدولة ضيّعت الكثير من الاعتمادات في تهيئة طُرق رديئة تتضرّر بشكل بليغ كل مرّة تتساقط الأمطار، ومن ثم لا تفكّر السلطات مجددا في صيانتها وإصلاحها، ما يؤثر على جودة الحياة في المُرتفعات، بما يكرّس العُزلة التي قد تشعر الدّولة بأنها فكّتها بهذه الطرق”.
وفي الشقّ المواطناتي والإنساني، شدّد المتحدث على “تفعيل مخطّط سياسي مبتكر يتصف بالشمولية والالتقائية والعرضانيّة، لكي يستفيد الناس من حقوقهم الكاملة ويتمتعوا بها في إطار دولة المؤسسات”، خالصاً إلى أن “النقاش العمومي الذي بدأ بخصوص تأهيل مناطق الجبال وتثمين العنصر الثقافي الذي ينتعش داخلها يمكن أن يلتقط مختلف ملاحظات الفاعلين، سواء في الدوائر الرسمية أو خارجها، لأجل الخروج بمخطط يكون ذا مصداقية على أرض الواقع”.
وكان عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، أوضح أمس الثلاثاء بمجلس المستشارين أنه “منذ انطلاقة العمل بالبرنامج الذي اندرج ضمن الإستراتيجية الوطنية للتنمية في المجال القروي والمناطق الجبلية، سنة 2017، تم إعداد سبعة مخططات عمل جهوية سنوية لتنمية هذه المجالات الترابية الهشة بقيمة إجمالية تناهز 49,25 مليارات درهم؛ أي بنسبة 99 في المائة من الميزانية الإجمالية للبرنامج الذي نُفِّذ أخذاً بالاعتبار جميع مصادر التمويل”.
المصدر: وكالات