عشية حلول “اليوم العالمي للماء”، المحتفى به سنوياً في 22 مارس، وتزامناً مع انعقاد “مؤتمر الأمم المتحدة للمياه لعام 2023″، تحت شعار “عام الالتزامات المتعلقة باستخدام المياه والصرف الصحي” المنعقد من 22 إلى 24 مارس الجاري بنيويورك، التأمت ندوة علمية تحت عنوان “الموارد المائية بالمغرب.. التحديات والآفاق”، مساء أمس الثلاثاء، من تنظيم كلية علوم التربية بالرباط.
الندوة التي أطّرها أساتذة وخبراء باحثون في قضايا الماء والتنمية المستدامة عرفت حضوراً طلابياً كثيفاً، بينما افتتح أشغالها عبد اللطيف كيداي، عميد كلية علوم التربية، مؤكدا أهمية الموضوع بالنسبة لمجزوءات متخصصة تقارب موضوع المناخ والماء في ماستر “تدريس العلوم الاجتماعية والتنمية”، و”الإجازة في التربية–تخصص التاريخ والجغرافيا”.
“نتحدث يومياً عن الماء وصعوبات ندرته وتراجع منسوبه في السدود والفُرشات”، يقول كيداي، مستدركاً: “لكن التحولات التي أفرزتها التغيرات المناخية أصبحت تلقي بظلالها على مجموع العالم، وليس فقط المغرب الذي يقطع عدد من سكان مناطقه النائية عشرات الكيلومترات من أجل قطرة ماء”، وزاد: “يعتبر خبراء بكل يقين أن حروب المستقبل وصراعاته سيحرّكها الماء”، خالصا إلى أن “التفكير في قضية تحديات وإكراهات وصعوبات تدبير الموارد المائية بالمغرب، فضلا عن التخطيط الإستراتيجي المرتبط بها، أحَدُ مداخل معالجة الموضوع بحثيا وأكاديمياً”.
“الطوارئ المائية مستمرة”
في مداخلة ربطت حدة التغيرات المناخية بندرة الموارد المائية بالمغرب، نبّه محمد بنعبو، مهندس بيئي خبير في المناخ والتنمية المستدامة، إلى “استمرار حالة طوارئ مائية مازلنا نعيش على إيقاعها رغم الأمطار والثلوج المسجلة منذ بداية الخريف الماضي”، لافتا إلى “تحدّ متجدد هو ذروة الطلب على الماء كل صيف”.
وأفاد بنعبو، مستعرضاً آخر معطيات الوضعية المائية ووضعية الشبكة الهيدرولوجية بالمملكة، بأن نسبة ملء السدود بلغت 34.85 إلى حدود 20 مارس 2023، “كما أننا نتوفر على 152 سداً وصل إليها المغرب اليوم”، مورداً أن 9 أحواض مائية موزعة على 12 جهة تعد “آلية جيدة لتدبير حكامة الماء عبر شرطة خاصة بالماء في كل حوض، مع تحديد الوضع بالمدن أو الري الفلاحي”.
ولم يفت الخبير البيئي أن ينوه بـ”مشاريع مهيكلة في السنوات الأخيرة، منها الربط بين الأحواض”، معتبراً أن “دورة الماء لا يمكن تكسيرها عبر منع المياه من الوصول إلى مصبات الأنهار في البحر”، وقرع جرس الإنذار قائلا: “نحن فعلياً في مرحلة إجهاد مائي هيكلي قد يهوي بالمغرب سريعاً إلى مرتبة أزمة ندرة حادة في غضون سنوات، لاسيما أن تغير المناخ يغيّر خريطة جريان الأنهار والأودية الكبرى بالمملكة”.
“تجريم استنزاف المياه الجوفية”
في نبرة حادة، لم يتوان المهندس بنعبو، خلال مداخلته، في توجيه دعوة صريحة للجهات المختصة إلى إقرار “زجر قانوني” في حق مُستنزِفي المياه الجوفية بالمغرب (تصل إلى حفر آبار بعمق أكثر من 200 متر)، واصفاً ذلك بـ”جريمة استنزاف موارد مائية طبيعية قد لا تتجدّد”.
في المقابل، استعرض بنعبو معطيات بالبيانات والخرائط تُظهر مدى اشتغال 9 محطات لتحلية مياه البحر في أفق الوصول إلى 12 محطة، مؤكدا أن “بعضها وصل إلى مرحلة دراسات تقنية، وأخرى مازالت قيد دراسة الجدوى أو في مرحلة اختيار الشركة المنجِزة للمشروع”.
“أدعو إلى إتاحة الولوج إلى معطيات وبيانات الفرشات والأحواض المائية بالمغرب على غرار الوضعية اليومية للسدود”، يتابع المتحدث أمام جمع الحاضرين، خاتماً بأهمية “إحداث معاهد جيولوجيا متخصصة لمعرفة الإمكانيات واستشرافها.. لأن الماء مِلك للجميع وليس لأي كان الحق في استخدامه بأي طريقة”.
الندرة.. “واقع مفزع”
وضع الأستاذ محمد قفصي، منسق الماستر المذكور بالكلية، منسق “خلية الجامعة الخضراء” بجامعة محمد الخامس بالرباط، السياق العام للندوة وأهدافها على سكة “النشاط العلمي والتربوي إشعاعاً وانفتاحاً، فضلا عن تدعيم دروس ومكتسبات يتلقاها الطلبة في المَسلكين”.
ولفت قفصي إلى “تزايد الاهتمام بالموارد المائية خلال السنوات الثلاث الماضية”، مشددا في كلمة له على كون الماء “عصَب الحياة والنعمة الكبرى المهداة التي أنعم بها الله على مخلوقاته؛ إنه مصدر حيويّ للعيش لا يمكن الاستغناء عنه”، مستشهداً بالآية المعروفة: “وجعلنا من الماء كل شيء حَيّ”.
“المغرب من بين الدول المتضررة من تراجع الموارد المائية رغم موقعه المطل على واجهتين بحريَّتيْن شاسعتيْن؛ والوضعية الجغرافية تعطي تباينا واضحا في توزيع المناخ بين الشمال والجنوب، وبين المناطق الساحلية والداخلية”، يستحضر الأكاديمي ذاته، مؤكداً أن “ندرة المياه واقع مفزع للمغرب من حيث تأثير التغيرات المناخ على الحصيلة المائية السنوية”.
التربية المائية
البعد المائي، حسب المتحدث، أضحى “بعداً مهماً من أبعاد عملية التنمية والتطوير والتحديث في المجال التعليمي-التربوي، نظراً لأن الإنسان هو أساس العملية التربوية بهدف إعادة التوازن للنظام المائي الذي أصابه الخلل، إما لجهل الفرد بموقعه ضمن النظام البيئي الطبيعي أو لنظرته البراغماتية-النفعية الآنية في التعامل مع الموارد الطبيعية”، وشدد على أن “العمل من أجل الموارد المائية عمل مستمر وتكاملي يعتمد على جهود الجهات المعنية كافة في تعميم التربية البيئية/المائية، ونشر الوعي المائي لدى التلاميذ والطلبة”.
وخلص المتدخلون إلى أن “المغرب يتوفر على كميات جد محدودة من الموارد المائية تتطلب وضع آليات جديدة وتعبئة وطنية لتدبيرها، مع تفعيل الآليات التشريعية والتنظيمية لضبط استنزاف هذه الموارد وعقلنة استعمالها، ووضع حدّ لإنهاء التداخل الحاصل في تدبيرها بين مؤسسات وقطاعات متعددة”.
المصدر: وكالات