19 سنة مرت على الخطاب الملكي الذي قضى بإطلاق برنامج “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية”، الذي عولت عليه المملكة من أجل محاربة الهشاشة والرفع من منسوب انخراط المواطنين في الدورة الاقتصادية وتشجيع الفكر المقاولاتي، بما يساهم في خلق نسب نُمُوّ مهمة والحد من التفاوتات المجالية وتقوية البنية التحتية التنموية بالعالم القروي تحديدا.
وأطلقت المملكة سنة 2019 النسخة الثالثة من هذه المبادرة التي جرى تخصيص 18 مليار درهم لتنفيذها في صيغتها الجديدة، التي عرفت كذلك إضافة برنامجين جديدين يتعلقان بـ”تحسين الدخل والإدماج الاقتصادي للشباب” و”الدفع بالرأسمال البشري للأجيال الصاعدة”، بعدما كان البرنامجان الأول والثاني من المبادرة يستهدفان “تدارك الخصاص في البنية التحتية الأساسية” و”مواكبة الأشخاص في وضعية هشاشة”.
وأمام إطلاق الدولة برامج جديدة، بما فيها “انطلاقة” و”فرصة”، باتت التساؤلات مطروحة حول مدى تمكن برنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من تحقيق ما جاء إليه أساسا، تزامنا مع بقاء المغرب في صفوف متراجعة في الترتيب العالمي للتنمية البشرية؛ فضلا عن تساؤلات أخرى تهم كيفيات تحقيق الالتقائية بين هذه البرامج التنموية ككل.
وتطابقت تدخلات باحثين في المجال الاقتصادي، ممن تحدثوا لهسبريس، حول “تمكُّن هذا البرنامج التنموي الوطني من تحقيق أهدافه، خصوصا في ما يتعلق بالإدماج الاقتصادي للمواطنين وخلق فرص الشغل والمواكبة الفعلية لحاملي المشاريع”، فيما اختلفت في مدى “احتشام نتائج النسخة الثالثة من البرنامج التي تزامنت مع فترة الجائحة”، ما يدفع نحو “إعادة النظر في طريقة تأهيل العنصر البشري عبر هذا البرنامج”.
ورش ناجع
خالد حمص، أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط، قال إن “ما ميز هذه المبادرة خلال السنوات الماضية هي كونها برنامجا طويل الأمد ويؤكد توجه الدولة نحو دفع الباحثين عن العمل إلى الخيار المقاولاتي عوضا عن الاقتصار على خيار الاشتغال كأجراء؛ الأمر الذي يخدم الدورة الاقتصادية الوطنية وخلق الثروة وفرص الشغل كذلك”.
حمص، الذي تحدث لهسبريس، أكد أن “من حسنات هذا المشروع الوطني هو خلق جيل من الشباب الذين تمكنوا من الانخراط في مشاريع وتعاونيات، وتحريك الاقتصاد المحلي والوطني ككل، لتبرُز لدينا إذا ثقافةٌ مقاولاتية لم تكن حاضرة لدينا في ما سبق قط”، مبرزا أن “الحس الاجتماعي للمبادرة كان واضحا كذلك عبر دفعها الفئات الهشة نحو الانخراط في المجتمع اقتصاديا”.
وبيّن المتحدث ذاته أن “من الجوانب الإيجابية لهذا المشروع الوطني كذلك المساهمة في مواكبة الشباب في بناء تصوراتهم للمشاريع من بدايتها حتى تصير قائمة الذات، في وقت تتوفر المبادرة على أقسام مكلفة بهذه المهام التي من شأنها إخراج المشروع إلى الوجود، بما يحقق التنمية البشرية كما هو مرغوب فيه”.
وجوابا عن سؤال حول كيفية ضمان الالتقائية بين المبادرة والبرامج الاجتماعية الأخرى لفت الأستاذ الجامعي ذاته إلى أن “هذه النقطة سبق أن طُرحت في وقت سابق، لكن ربما هنالك سهر واضحٌ مستمر على ضمان التكامل بين هذه البرامج”؛ أما عن “عزوف” الأفراد عن الانخراط في المشروع الوطني فيظل “اختيارا شخصيا يُجانب فلسفة وأهداف هذا المشروع الوطني”.
نسخة محتشمة
رشيد ساري، محلل اقتصادي رئيس المركز الإفريقي للدراسات الإستراتيجية والرقمنة، قال: “نخلد الذكرى التاسعة عشرة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي انطلقت سنة 2005، ونحن كذلك نتحدث في الوقت الراهن عن النسخة الثالثة منها التي توازيها تمويلات مهمة بواقع 43 مليار درهم”.
وأوضح ساري، في تصريح لهسبريس، أن “المبادرة في نسخها السابقة كانت عرفت زخما في تأهيل العنصر البشري وتشجيع التعاونيات النسوية بالتحديد خصوصا بالعالم القروي”، متابعا: “أما النسخة الثالثة من المبادرة التي تزامنت مع كورونا فنتائجها تبقى خجولة مع عدم وجود معطيات تؤكد المجهودات التي تهُمها”.
وأورد المتحدث ذاته أن “المغرب اليوم يوجد في الصفوف الأخيرة في التنمية البشرية على المستوى العالمي، وهو ما يبرز ربما النتائج التي تخص هذا البرنامج، التي ليست في المستويات التي كانت منتظرة، خصوصا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن مؤشر التنمية البشرية يركز أساسا على الدخل الفردي ومستوى التعليم وأمد الحياة”.
وعاد المحلل الإقتصادي ليشير إلى أن “تأهيل العنصر البشري ودفعه للانخراط في الدورة الاقتصادية الوطنية والفعل المقاولاتي يظل من بين العناصر التي وجبت الإشارة إليها بخصوص النسخة الثالثة من هذا المشروع، في ظل الأرقام التي تتوالى بخصوص الدخل الفردي والقدرة الشرائية للمغاربة، وكذا معدلات البطالة”.
المصدر: وكالات