تشهد إسرائيل انقلابا في مشهدها السياسي ينادي بسيادة القانون متجاوزا الانقسامات التقليدية، بسبب الحركة الاحتجاجية التي وحدت مجموعة كبيرة من معارضي الإصلاح القضائي الذي تريده الحكومة بأي ثمن.
حتى تشكيل حكومة بنيامين نتانياهو في نهاية دجنبر 2022 والتي تضم أحزابا يمينية متطرفة وأخرى يهودية متشددة، كانت الانقسامات بين العلمانيين والمتدينين، ويسار الوسط ويمين الوسط، واليهودي الأوروبي “الاشكينازي” واليهودي الشرقي “السفارديم”، هي التي تشكل خطوط الصدع الرئيسية في المجتمع الإسرائيلي.
لكن هذه الانقسامات اهتزت بسبب الإصلاح القضائي الذي اقترحته الحكومة والهادف إلى منح سلطات أكبر للسياسيين وإضعاف صلاحيات المحكمة العليا.
ويعتبر الإصلاح القضائي برنامجا أساسيا في تحالف رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو الحكومي، والذي يضم أحزابا يهودية متشددة ويمينية متطرفة؟
وتؤكد الحكومة أن الإصلاحات تهدف إلى تصحيح حالة من عدم التوازن بين السلطة القضائية وأعضاء البرلمان المنتخبين.
ومنذ إعلان الإصلاحات القضائية في يناير وطوال ثلاثة أشهر، انطلقت احتجاجات كبيرة معارضة لها شملت العاملين في مجال التكنولوجيا وجنود الاحتياط في الجيش والجماعات المناهضة للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، والجماعات النسوية والمدافعين عن حقوق مجتمع الميم وسواهم. ورفع جميع هؤلاء شعار “ديمقراطية”.
وقالت إيفا إيلوز، المتخصصة في علم الاجتماع في الجامعة العبرية، لوكالة فرانس برس: “في الواقع، إنها المرة الأولى التي توجد فيها بالفعل حركة جماهيرية يمكنها أن تضم الجماعات التي لم يكن يجمعها أي قاسم مشترك حتى الآن. أناس من اليسار ومن اليمين المعتدل ومن العلمانيين ومن المتدينين، عرب ويهود ينتقدون سياسة الحكومة”.
واعتبرت إيلوز أن دوافع نشوء هذا المعسكر السياسي الجديد “أخلاقية” و”اجتماعية”.
العلماني ضد المتدين
يعتبر الإسرائيليون أن بلدهم هو الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط؛ لكن العديد من المنتقدين خارج إسرائيل وداخلها يشيرون إلى الطبيعة “غير المكتملة” لهذه الديمقراطية انطلاقا من التمييز الذي تعانيه الأقلية العربية واستمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
تم التعبير عن الاحتجاج بشكل خاص في تل أبيب، معقل اليسار الإسرائيلي، إلا أن تظاهرات لليمين المعتدل مناهضة للإصلاح سجلت في مناطق مختلفة وشملت شخصيات بارزة؛ من مثل وزير الدفاع الأسبق موشيه يعالون، الذي أصبح من وجوه الحركة الاحتجاجية.
وحتى داخل حزب الليكود اليميني بزعامة نتانياهو بدأت أصوات معارضة تُسمع بسبب الحجم الهائل للاحتجاجات.
لم تضم التظاهرات سوى عدد محدود من اليهود المناهضين للاحتلال الإسرائيلي، كما أن عرب إسرائيل الذين يشكلون نحو عشرين في المائة من السكان لم يشاركوا فيها إلى حد بعيد.
ولاحظت المتخصصة في علم الاجتماع سالفة الذكر “أن حركة الاحتجاج هي أيضا تمرد العلماني ضد المتدين حتى لو لم يعلن ذلك في إسرائيل، حيث يشكل اليهود المتدينون المتشددون أكثر من 10 في المائة من السكان وهم معفون من الخدمة العسكرية”.
هؤلاء المتشددون لا يعملون ويكرسون وقتهم للدراسات الدينية، ويعتمدون على الإعانات الحكومية والإعفاءات الضريبية لإعالة أسرهم الكبيرة.
وتدافع الأحزاب المتشددة داخل تحالف نتانياهو عن المجتمع المتدين المتشدد؛ الأمر الذي يثير استياء قسم كبير من الجمهور الإسرائيلي، الذي يتهم المتدينين بالعيش على حسابه.
“إصلاح شعبوي”
تضاف إلى ذلك مخاوف واسعة على اقتصاد البلاد الذي يعاني عدم استقرار سببه الإصلاح القضائي المأمول به. وتجلى ذلك خصوصا في انخفاض قيمة الشيكل مقابل الدولار هذا العام.
وأظهر استطلاع للرأي، نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” الأسبوع الفائت، أن 29 في المائة فقط من السكان أبدوا رضاهم عن الطريقة التي يتم بها دفع الإصلاح القضائي إلى الأمام.
من جهته، قال أمير فوكس، الباحث في معهد الديمقراطية الإسرائيلي، لفرانس برس، إن “أكثر من 60 في المائة من الإسرائيليين يعارضون الإصلاح القضائي”، موضحا “أن الخط الفاصل بين اليمين واليسار والمتدينين والعلمانيين موجود؛ لكن العديد من ناخبي الحكومة الحالية من اليمين أو من المتدينين ضد الإصلاح في شكله الحالي، ويرون أنه راديكالي وشعبوي”.
وأكد الباحث أن “الديمقراطية بالنسبة إليهم ليست حكومة الأغلبية فقط، بل تعني الدفاع عن الأقليات وحقوق الإنسان واستقلال القضاء”.
وتظاهر، السبت، آلاف الإسرائيليين في تل أبيب، للأسبوع الثالث عشر على التوالي، ضد الإصلاح القضائي المثير للجدل الذي جمدته الحكومة؛ بينما تجري محادثات بشأنه بين ممثلي الأحزاب.
المصدر: وكالات