بتكوين إداري وبميل إلى الطب، وجّه سامي بوطالب أداءه المهني صوب تطوير خدمات المصحات في إقليم كيبيك بكندا، منطلقا من مصحة وحيدة، قبيل سنوات قليلة، للوصول في الفترة الحالية إلى الإمساك بدفة قيادة أداء شبكة من المرافق الصحية الخصوصية، مع البقاء راغبا في توسيع نطاق عمله نحو خدمات استشفائية إضافية مستقبلا.
يؤكد المتكون في إدارة الأعمال أن الأداء المهني يتيح للناس التطور بوتيرة متصاعدة في كندا؛ بينما يرى، انطلاقا من تجربته الخاصة وأيضا ما خبره عدد من معارفه في البلاد نفسها، أن الترحيب بالتواجد في عطاءات تطوعية يرفع إيقاع التطور في المجتمع الكندي بكيفية ملحوظة، إذ يتيح نسج علاقات أكثر متانة ويعرف بالكفاءات على نطاقات أوسع.
من مواليد مونتريال
ولد سامي بوطالب في الحيز الجنوبي من مدينة مونتريال، وأمضى سنوات الطفولة والفترة الأولى من شبابه ضمن أحضان الأسرة المستقرة في ‘’لورين’’ بإقليم كيبيك الكندي؛ لكنه لم يتوقف يوما عن إبداء الفخر بأصله المغربي وانحداره من أسرة متجذرة من مدينة فاس، على الرغم من أن والدَيه كبرا في العاصمة الرباط قبل أن يشدا الرحال إلى أمريكا الشمالية.
ويقول سامي: ‘‘حضرت الثقافة المغربية بقوة في مسكننا، وقد شرعت في الإحساس بها منذ السنوات الأولى للطفولة وهي تلوح في ممارساتنا. وقد كان لها دور محوري في إيقاعنا اليوم عند حلول مناسبات بعينها؛ كشهر رمضان مثلا أو عند إحياء شعيرة عيد الأضحى المبارك، وبالموازاة مع إصرار الأب على تمسكنا بالهوية الأصلية إلا أنه كان حريصا، أيضا، على اندماجنا جيدا في المجتمع الكيبيكي”.
تخرج بوطالب من مؤسسة ‘’HEC’’ في مونتريال، حائزا الإجازة من مدرسة الدراسات العليا التجارية، ظافرا بدبلوم ‘’الماركوتينغ’‘ عقب استيفاء مسار للتعليم العالي في إدارة الأعمال، ثم أقبل على سلسلة من التكوينات بمعاهد خصوصية في العلوم الصحية ليصير متخصصا، من بين أمور أخرى، في التعامل مع ممارسات مرتبطة بالصناعات الدوائية.
إدارة شبكة مصحات
انطلق المسار المهني لسامي بوطالب مباشرة بعد التخرج من مدرسة الدراسات العليا التجارية، وتأتى له ذلك بانخراط في المجال الصيدلاني مع شركة كبيرة لها وزن عالمي في هذا المجال، من طينة ‘’أسترازينيكا’‘، ثم انتقل بصفة مستخدم بين مجموعة من المؤسسات الأخرى، لتكون آخرها ‘’أنماط فارماكام”.
المنتمي إلى شريحة الجالية المغربية في كيبيك يقول بخصوص المرحلة الوظيفية الموالية: ‘’الاهتمام بالمجال الصحي جاءني من والدتي الطبيبة، وقد حصلت على فرصة كي أطور اشتغالاتي بعد الالتقاء بالدكتور مارينو، وهي قامة طبية مرموقة، وسرنا بجلسات متتالية نحو بناء الثقة المتبادلة حتى أشرع في إدارة مصحة سنة 2018، ثم أتى الدور على منشأة ثانية في السنة الموالية”.
وبعد تطور الأداء خلال السنوات الأخيرة، صار سامي بوطالب مشرفا، بمعية شريك، على إدارة شبكة مصحات على صعيد كيبيك، بتركيز على الخدمات ذات الصلة بطب الأسرة، وأيضا توفير تخصصات طبية متنوعة؛ أبرزها لخبراء في أمراض النساء والولادة، والقلب، والجراحة العامة، ولا يزال التطور سائرا نحو آفاق أوسع في المستقبل المنظور.
التزامات تطوعية
يتوفر الكندي المغربي نفسه على التزامات تطوعية جراء حصوله على صفة أمين المال في المنظمة المغربية الكندية لصحة الطفل والمرأة، المشتهرة اختصارا بتسمية OMCSEF وتعرف حضور والدته الطبيبة أسماء بوطالب، إذ يحرص على استيفاء المطلوب منه في مكتب هذا التنظيم المدني. كما يقوم بتقديم الدعم عن بُعد لبعض المهام الخيرية التي يجري تنفيذها في المغرب.
ويقول سامي: ‘’أضع جزءا من وقتي أيضا في خدمة شراكة حاضرة مع فاعلين كثر في ميدان العمل التطوعي؛ أبرزهم متحف الفنون الجميلة في مدينة مونتريال. ومن هذا الموقع أحاول أن أضع خبرتي في المجال التدبيري وعلاقاتي ضمن الميدان الصحي كي أعزز الأداء الجاري على أرض الميدان لدعم الفئات الاجتماعية الرازحة تحت الهشاشة”.
كما يمتد التزام بوطالب في هذا الإطار، أيضا، إلى المؤسسة الخيرية التعاونية الحاملة اسم ‘’Chaînon’’، إذ أسهم بكيفية ناجعة، أخيرا، في مبادرات حريصة على تطوير جيل جديد من المصحات القادرة على مساعدة هذا التنظيم التطوعي في القيام بحملاته المستهدفة الارتقاء بالأوراش الصحية التي تهتم بالطفولة والنساء.
الافتخار في الميدان
يقر سامي بوطالب بأن الأزمة الصحية العالمية الناجمة عن تفشي جائحة ‘’كورونا’’ وقيود التنقل التي أفرزتها في بداية العشرية الحالية قد حالت دون زيارته المغرب إلى غاية منتصف سنة 2023، وقد تحرك من مونتريال نحو الرباط لحضور حفل زفاف عائلي قبل أن يغدو التواجد في المغرب مصدر انبعاث للدهشة.
وحول ما جرى ضمن أطوار هذه الزيارة الحديثة يقول سامي: ‘’اندهشت من التغيير الكبير الذي طرأ في المغرب إبان السنوات القليلة التي غبتها. لم أكن أتخيل أن يعمل سفري في 2023 على جعلي منبهرا بما تحقق في أكثر من حاضرة مغربية، خاصة التغييرات الكبيرة التي شهدتها العاصمة الرباط”.
“البنيات التحتية غدت في أحدث حلة، ومستحضرة التجديدات التي عرفها العالم ضمن ميادين البناء والتعمير. كما أن المشاريع الطاقية المولدة الكهرباء من قوة الرياح وأشعة الشمس صارت بارزة بوضوح، ومسايرة الرهانات الإيكولوجية الدولية .. نتابع هذه الأخبار من بعيد، لكن المعاينة الميدانية تزيد الفخر بالمغرب’’، يضيف بوطالب.
المقايضة في الهجرة
يرى سامي بوطالب أن أهم خطوة في الهجرة تتجلى ضمن تحقيق الاندماج بأقل كلفة زمنية ممكنة، وكلما غابت السرعة عن بلوغ هذه الغاية يصير المهاجر تحت الضغط من جميع النواحي المجتمعية. لذلك، يطالب المقبلين على الهجرة بالاستعداد مسبقا، من خلال جمع المعلومات الضرورية عن البيئة المستضيفة وكيفية التأقلم مع الخصوصيات في فضاء العيش الجديد.
وعلاقة بالهجرة أيضا، يذكر الخبير في تدبير المصحات الطبية أن المهاجرين بمقدورهم الاحتفاظ بثقافاتهم الأصلية كأساس يبنون عليه مستقبلهم، خاصة إذا كان لذلك ارتباط بكيبيك وعموم كندا، إذ هناك حاجة إلى تقاسم الثقافة الشخصية مع الناس مقابل النهل من ثقافات الآخرين أيضا، حيث لا مجال لانتظار الكسب من الغير دون أن يكون الطرف الآخر حاصل على ما ينفعه من هذا التفاعل البيني”.
“لا جدال في أن تحقيق المهاجرين لذواتهم يمر بسلاسة إذا كان السبيل متصلا بالدراسة كيفما كان نوعها، سواء أفضت إلى الحصول على دبلوم تقني أو نيل شهادة إجازة في أي من الميادين التي يميل إليها المرء؛ لكن الحظوظ تتقوى عند الإقبال على الأعمال التطوعية في مجتمع الاستقرار، وعندها يمكن نسج علاقات تضع الشخص أمام فرص أكثر’‘، يختم سامي بوطالب.
المصدر: وكالات