عاد ارتفاع الحرارة مع اقتراب الصيف وعادت المخاوف تقض مضجع ساكنة “مجتمع الواحة” بجهة درعة تافيلالت من الحرائق التي باتت تبدو موسمية، ضمنها “حرائق معزولة” وأخرى “عظمى” تلتهم الأخضر واليابس، الأمر الذي يخلف أضرارا بيئية كبيرة مثل تلوث الهواء وتدهور التربة، وغيرها من الإشكالات التي امتدت إلى عيش السكان.
شروط خصبة
جمال أقشباب، فاعل بيئي رئيس جمعية أصدقاء البيئة، قال إن الساكنة تتوجس باستمرار أن يحل الصيف حاملاً تخريبا جديدا للواحة تضلع فيه النيران، مؤكداً “توفر جميع الشروط التي تستدعي اليقظة التامة من طرف المصالح المختصة تفاديا لحرائق جديدة تلتهم مئات الآلاف من النخيل على مستوى الجنوب الشرقي الذي شهد ضرراً كبيراً بهذا الخصوص كل صيف خلال السنوات الأخيرة”.
ونبه أقشباب، في تصريح لهسبريس، إلى “غياب المسالك إلى حدود الآن داخل الواحة، وهو مطلب قديم يمكّن مصالح الوقاية المدنية من الولوج وتسهيل إخماد الحريق، لأن الطائرات يمكن أن يتأخر وصولها، وبالتالي الأولوية موجهة أولاً للوقاية المدنية وللساكنة”، مضيفا أن “الواحة تحتاج إلى تنقية شاملة تتعاون فيها السلطات العمومية مع الفعاليات المدنية، تجنباً لترك أي فتيل للنيران بين النخيل”.
وأبرز المتحدث أن “النظام البيئي الذي كانت تلعبه الواحات اختلّ نتيجة ارتفاع درجة الحرارة بشكل غير عادي في السنوات الأخيرة، وكذلك بسبب التغيرات المناخية”، مستبعدا أن “يكون التدخل البشري سببا في الحرائق، لكون الإنسان الواحي كان يعيش في الواحة منذ زمن طويل ومصدر رزقه هو التمور ولا يمكن أن يسمح بأي خطأ صغير يؤدي إلى المزيد من البوار الاجتماعي الذي تعرفه الساكنة بحكم اللجوء البيئي إلى المدن الكبرى”.
وأكد أقشباب على الدور الاقتصادي الأساسي الذي تمثّله الواحة بنخيلها وتمورها للإنسان الساكن فيها، مبرزا أن “انتفاء هذا الدور بمثابة مساس بالسلم الاجتماعي وبالقدرة على الاستمرار في فضاء الواحة، الذي كان هو المجال الأكثر أمنا وعطاءً بالنسبة للساكنة، فلاحيا وأيضا سياحيا”، وقال إن “الواحة كانت منبعاً أساسيا للماء ومصدرا رئيسيا للغذاء، قبل أن تتسلّط عليها النيران وتشكل مصدر قلق للساكنة كلّما حلّ فصل الصّيف”.
استراتيجية وطنية
محمد لمين لبيض، فاعل مدني وحقوقي، قال إن “درجة الحرارة التي ترتفع في الصيف وتوالي سنوات الجفاف وندرة المياه، هي مخاطر تحدق بالواحة على نحو وجودي وتهدد إمكاناتها على الاستمرار، لكونها تنسف كافة مؤهلاتها”، مشيرا إلى “وجود نحو 90 في المائة من مساحة الواحة على مستوى درعة تافيلالت في وضعية تنذر باندلاع الحرائق فيها”.
وبما أن الواحة تشكل عنصرا تراثيا وبيئيا تعايش معه الواحيّون وعاشوا فيه على تراب المغرب الشرقي، فإن لبيض، في تصريحه لهسبريس، دعا إلى “تشبيب الواحة وتجديد دينامياتها الطبيعية من خلال تحويلها إلى مساحات خضراء ذات مناعة حادة تجاه القابلية للاحتراق”، منبها إلى “ضرورة التفكير في آليات لتوجيه الأعشاش اليابسة لمهن أخرى كالنجارة مثلاً، ونضمن بذلك مساهمتها في التنمية المحلية”.
وتحدث المصرّح عما عده “غيابا للتحسيس والتوعية بضرورة الحفاظ على الواحة”، مشددا على أن هذه الفضاءات الطّبيعية على مستوى جهة درعة تافيلالت مهددة، وهذه التهديدات التي تجعل الساكنة في حالة تأهب ويقظة تحتاج إلى استراتيجية وطنية لإنقاذ الواحات، والقضاء على كل ما يمس حقّ السكان في ضمان عيشهم واستقرارهم وقوتهم فوق أرض هي ما يشبههم ويمنحهم نوعا من الانتماء”.
وأورد الفاعل المدني بالمنطقة أن “التنوع البيولوجي يتضرر نتيجة الحرائق، كما أن المحصول يتم القضاء عليه، فضلاً عن الأشجار الخصبة التي تصبح حطباً بلا جدوى”، مسجلا “ضرورة تمكين الساكنة من آليات تسعفها في التدخل الفوري وتكوينها في هذا الصدد والتفكير في تصور لملئ الآبار الفارغة والجافة خلال هذه الفترة، وذلك حتى يمر الصيف بلا حرائق وبلا خسائر وبلا أسباب أخرى تطرد الإنسان من مجاله الأصلي”.
يشار إلى أن وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات أحدثت، منذ سنوات، فوهات مائية بعدد من الواحات، كما وضعت لوحات تحسيسية لتجنب أسباب الحريق، بالإضافة إلى برمجة العديد من المشاريع لتنقية أعشاش النخيل مع إعطاء الأولوية للمناطق التي تعرف حرائق متكررة بشكل سنوي، فضلا عن توزيع فسائل أنبوبية للنخيل بالمجان على الفلاحين المتضررين من الحرائق.
المصدر: وكالات