إقبال مثير للاهتمام شهده افتتاح معرض لأعمال فنانين شباب مغاربة بالمكتبة الوطنية في الرباط، يوحدهم الانتماء إلى الساحة الفنية المعاصرة، مع تعدد طرائق تعبيرهم.
ومن التصميم والرسم، والأعمال المنحوتة، إلى الفنون الجدارية “غرافيتي”، وفنون اللصق “كولاج”، وفنون التركيب، مرورا بالقصص المصورة “كوميكس”، والفيديوهات الفنية والتعبير الشعري والمزج الموسيقي، لا يغيب عن هذا العرض تنوع يواصل تراكمه، وتتكرّس تجاربه، داخل البلاد.
نتجت هذه الأعمال عن إقامة فنية، هي الثانية التي ينظمها “بيت الفن”، وشارك فيها فنانون مغاربة من عدد من جهات البلاد، بشراكة جمعت “مؤسسة هبة” و”مؤسسة فريديريش نيومان”.
بعنوان “شكون أنا؟”، أو “من أنا”، تبحث هذه الأعمال في قضايا الانتماء والانفصال، وتمثلات الهوية، مع ما يرافقها من مساءلة مدى استيعاب الذات وتمثلات الاستمرارية والقطيعة، وتصور الآخر، والحدود. هذه الأفكار سعت إلى نقاشها ندوة افتتاحية بالمكتبة الوطنية، شارك فيها الفنانون ومؤطّراهُم، واقتربت فيها الأجوبة من العفوية.
بعيدا عن تضييع معالم القراءة تحت يافطة التجريد، أو الإغراق فيه؛ يحضر في جل الأعمال نبش ذكي في جانب من جوانب “أن تكون مغربيا”، ومساءلة لـ”التجربة المغربية” بيوميّها، ومتعاليها الجَمعي، وانعكاسات تراكم العيش على اللسان واللباس والنبرة والتمثل والملامح حتى.
وحول المغاربة والحب وتعبيراتهم عن رؤيتهم له أو تمثلاتهم لكيف ينبغي الحديث عنه في الفضاء العام، تسائل قصة مصورة لمحمد أمين المثان تمثلات الذكورة أو “الرجولة” عند مغاربةٍ، وتسائل رؤًى لا تُكْبر تعبيراتٍ مباشرة، أو غير مستترة، عن الحب.
وفي فضاء غير منضبط لقواعد اليومي، جمع سفيان زوركان تعبيرات مغربية، من جلباب وشاي، فيما تحيط بالجسد وتتوارى خلفه حروف متشابكة. يثير هذا العمل، في ما يراه الناظر، مسألتين؛ “فتوجد اللغةُ، الفكر، التراكم الذي يؤطر معيشنا سواء أدركناه أم لا، فنفكر في إطاره، ونُؤَوّل في إطاره، بل قد نرفضه من داخل حدوده المرسومة جمعيا، دون أن يعود فضل ذلك إلى فرد منا”.
أما ثاني المسائل فقناع يرتديه جسد زوركان؛ هذا القناع، أو الرأس، رقمي، وليس قناعا دراميا يعبر عن وضعٍ، وليس قناعا مجتمعيا يعبر عن هروب. ألا يعبر عن عيش مغربي آخر، لا يبتعد كثيرا عن معيش جيران الأرض القريبين والبعيدين؟ انتماء يسيرٌ إلى تراكمات العيش في هذه البقعة قد يتمظهر في لباس أو طريقة أكل وشرب وحديث، لكن العمق معولم، والمخيال مؤطر بتجربة عيش أخرى، مهيمنة.
وفي عالَم مغربي متعدد، يعلن إلياس نوحي أن “الاختلاف لا يفسد للود قضية”، ويجمع في “كولاجِه” تمظهرات متعددة للعيش على هذه الأرض، في عمل مثير للاهتمام.
عمل آخر يشد الانتباه بهذا المعرض أعده أنس “دو” دوجديد، حيث أعاد، عبر شريط مصمم، رسم مسار “طقس العرس”.
في هذا العمل بسط لتقاليد فرحٍ، واحتفالٍ، وجمال؛ وبسط لتراكم لا بد من إكرام مراحله، لكنه أيضا تعرية كابوس عام انتفت شروطه مع اندثار الأسرة الممتدة، وتعرية مظهر من مظاهر تضخم الثقافة على حساب المضمون، أو مثال عن “الصنم الذي يبزغ بعد أفول الفكرة”.
المصدر: وكالات