يشكل تشغيل الأطفال آفة حقيقية وظاهرة مقلقة تمس أعدادا متزايدة، ذكورا وإناثا، خصوصا في الأحياء الشعبية أو الهامشية وفي البوادي، الشيء الذي دفع المنظمات الدولية والعديد من الفاعلين الاجتماعيين إلى بذل مجهودات أكبر للقضاء على هذه الظاهرة.
يهدف اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال إلى تحفيز الحركة العالمية المتزايدة ضد عمل الأطفال، وتأكيدا للصلة بين العدالة الاجتماعية وعمل الأطفال، تقرر أن يكون شعار احتفالية هذا العام هو “تحقيق العدالة الاجتماعية للجميع.. إنهاء عمل الأطفال”، حسب ما جاء في تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة.
وأضاف التقرير ذاته، اطلعت عليه هسبريس، أن “التجارب التي قامت بها منظمة الأمم المتحدة للتصدي لهذه الظاهرة على مدار ثلاثة عقود الماضية، أظهرت أن من الممكن إنهاء ظاهرة عمل الأطفال إذا عولجت الأسباب الجذرية لها، ومن الملح لنا جميعا المساهمة في إيجاد حلول لمشاكل الناس اليومية، ولعل عمل الأطفال هو أحد أكثر هذه المشاكل وضوحا”.
وأكدت الوثيقة ضرورة تضافر الجهود للقضاء على هذه الآفة، قائلة: “نحن المعنيون بالدرجة الأولى بإنهاء عمل الأطفال”، معتبرة “اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال لهذه السنة بمثابة اللحظة الزمنية المناسبة لإثبات إمكانية تحقيق التغيير عندما تتضافر الإرادة والعزم تضافرا يتيح زخما للجهود المبذولة التي ينبغي التعجيل بها”.
وتابع المصدر نفسه: “يشتغل الأطفال في جميع أنحاء العالم في وحدات إنتاجية مختلفة بأجر وبدون أجر، قد لا يترتب عليهم منها ضرر، ومع ذلك تُصنف تلك الأعمال ضمن مفهوم [عمالة الأطفال] إذا كان الأطفال أصغر وأضعف من أن يمارسوا تلك الأعمال، أو عندما يشاركون في أنشطة خطرة قد تعرض نموهم البدني أو العقلي أو الاجتماعي أو التعليمي للخطر”.
وأردفت بأنه “في أقل البلدان نموا، يلتحق طفل واحد من بين أربعة أطفال (ممن تتراوح أعمارهم بين 5 سنوات و17 سنة) بأعمال تعتبر مضرة بصحتهم ونموهم”، مشيرة إلى أن “أفريقيا تحتل المرتبة الأولى فيما يتعلق بتشغيل الأطفال، حيث يصل عددهم إلى 72 مليون طفل، وتأتي منطقة آسيا والمحيط الهادئ في المرتبة الثانية بما يقدر بـ62 مليون طفل”.
“وبالتالي، يوجد في مناطق أفريقيا وآسيا والمحيط الهادئ معا ما يصل إلى تسعة من كل عشرة أطفال مصنفين ضمن ظاهرة تشغيل الأطفال، بينما يوزع العدد المتبقي على كل من الأمريكيتين (11 مليونا) وأوروبا وآسيا الوسطى (6 ملايين) والدول العربية (مليونا)، كما تشير الأرقام إلى أن 5% من الأطفال في الأمريكيتين ملتحقون بأعمال، وتصل نسبتهم إلى 4% في أوروبا وآسيا الوسطى، و3% في الدول العربية”، وفق ما جاء في التقرير.
المصدر نفسه أكد أن “نسبة عمالة الأطفال مرتفعة في البلدان منخفضة الدخل بـ9 في المائة مقارنة مع البلدان متوسطة الدخل التي لا تتجاوز فيها النسبة 7 في المائة من جميع الأطفال المنخرطين في أعمال مختلفة، وتشير الإحصاءات كذلك إلى أن 84 مليون طفل (يمثلون 56٪ من جميع الأطفال العاملين) يعيشون في البلدان متوسطة الدخل، بينما يعيش مليونا (2) طفل عامل في البلدان ذات الدخل المرتفع”.
ووجه التقرير دعوة مفتوحة إلى “الجميع” من أجل إعادة تنشيط العمل الدولي لتحقيق العدالة الاجتماعية، “ولاسيما في ظل التحالف العالمي المتوخى تحقيق هذه العدالة، ومنح الأولوية لإنهاء عمل الأطفال، بالإضافة إلى التصديق العالمي على اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 138 بشأن الحد الأدنى لسن الاستخدام، التي ستتيح جنبا إلى جنب مع اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 182 حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال وتوفير الحماية القانونية لكافة أطفال العالم”.
وفي هذا الإطار، قال عبد العالي الرامي، رئيس جمعية منتدى الطفولة، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن “ظاهرة تشغيل الأطفال تشكل تهديدا حقيقيا للسلامة البدنية والنفسية للقاصرين الذين يتم استغلالهم من قبل مجموعة من الوحدات الإنتاجية المغربية سعيا منهم لتحقيق الربح بأقل تكلفة”.
وأضاف أن “ظاهرة عمالة الأطفال في المغرب عرفت انخفاضا ملحوظا في السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى تراجع تشغيل الطفلات الخادمات”، مؤكدا أن الطفل مكانه المناسب في هذه المرحلة العمرية هو المدرسة.
وتابع قائلا: “يجب على الجهات المسؤولة تكثيف الجهود وتوعية الأسر بخطورة ظاهرة تشغيل الأطفال وتقديم الدعم اللازم لها، وإطلاق المزيد من المبادرات”، منوها بالبرنامج النموذجي “تيسير” للتحويلات المالية المشروطة لدعم الأسر والمساهمة في الحد من الهدر المدرسي لأطفال القرى بالخصوص، ومبادرة “مليون محفظة” التي لها وقع إيجابي كبير.
“يشكل الفقر أحد الأسباب الرئيسية لتفاقم هذه الظاهرة، بحيث أصبحنا اليوم أمام ما يسمى بالاستثمار في الفقر أو العاهة الاجتماعية، من خلال إقدام بعض الأسر المغربية القاطنة في القرى على إرسال أبنائها القاصرين إلى المدن بغية الاشتغال في المعامل أو المحلات والمقاهي وغيرها من الأعمال المتعبة، معتبرة إياهم بمثابة سند يساعدها على تدبر مصاريف الحياة”، يقول رئيس جمعية منتدى الطفولة.
وأبرز الرامي أن العقوبات القانونية ضد مشغلي الأطفال “عقوبات مخففة جدا”، مشيرا إلى المادة 143 من مدونة الشغل المغربية التي تنص على أن تشغيل حدث دون سن الخامسة عشرة ينتهي بالمشغل إلى دفع غرامة مالية، ويمكن أن تصير العقوبة سجنا نافذا من ثلاثة إلى ستة أشهر إذا تكرر الأمر، مع غرامة مضاعفة، “مما يبيح لمستغلي الأطفال الاستمرار في استغلالهم دون وجود حسيب أو رقيب”، مؤكدا “ضرورة تفعيل المزيد من القوانين الصارمة لضبط هذه الظاهرة والحد منها”.
ودعا رئيس جمعية منتدى الطفولة الجهات المعنية إلى “خلق مشاريع وتعاونيات في المناطق القروية المنسية لمساعدة الأسر المعوزة التي تختار إرسال أطفالها القاصرين إلى المدن بحثا عن عمل يعيلون به أنفسهم وأسرهم، وضرورة تضافر الجهود للحد من هذه الآفة”.
المصدر: وكالات