حول محمد عصفور، العلَم المغربي الذي كان من أوائل من تركوا بصمتهم على السينما بالبلاد، منذ فترة ما قبل الاستقلال، صدرت باللغة العربية ترجمة كتاب أحمد فرتات “عصفور.. شغف اسمه السينما”، التي نقلها عن الفرنسية عبد الإله خطابي.
وفي تصريح لـ هسبريس، قال عبد الإله خطابي إن “أحمد فرتات قد كتب هذا الكتاب وأصدره في بداية الألفية الثالثة، واهتم بعصفور باعتباره رائدا للسينما المغربية”، علما أنه “رجل عصامي، أتى من بادية في منطقة آسفي، والتحق بأقارب له في الدار البيضاء، وكان يسكن في حي صفيحي بمعية عمال مغاربة، تحتاجهم الأسر الفرنسية”، وانتقل بين المهن “بائعا للصحف، وميكانيكيا، وكان له حب استطلاع كبير، وهوس بالصورة، وكان يتساءل دائما كيف يستطيع المرء تحريك الصورة على الشاشة؟”.
بعد هذا، ذكر المترجم أن عصفور “كان يجمع خلّانه ويصنع لهم فرجة بوسائل كرتونية، معتمدا على مهارته اليدوية”.
وحول كاتب العمل، ذكر خطابي أنه “الناقد السينمائي فرتات، الذي هو رجل تربية، لم يأت إلى السينما حديثا، بل هو رائد من رواد الحركة السينيفيلية بالمغرب، ومن مؤسسي مهرجان السينما المتوسطية بتطوان، وكان يلتقي بعصفور بين الفينة والأخرى، ويسجل حواراته معه، وكل ما ورد في الكتاب العهدة فيه على المرحوم محمد عصفور”.
وتابع: “كنتُ عضوا في جمعية أساتذة اللغة الفرنسية، وتعرّفت فيها على الأستاذ أحمد فرتات، الذي أعتبره من ملهميّ الشيء الكثير، فكان دوما يحفزني ويثير فضولي ويعزز ثقتي في نفسي في المجال الإبداعي، وحينما صدر له هذا الكتاب اقتنيته وأخبرته بعزمي على ترجمته، واستبشر بالأمر (…) ولما التقيتُ بالمرحوم عصفور في سنة 2005 بمهرجان السينما الإفريقية بخريبكة، أخبرته بوجود التنسيق للترجمة، فهاتفَ الكاتب بدوره، وكان متحمسا للأمر”.
“لكن لم يكتب للمشروع أن يكتمل إلا في السنوات القليلة الماضية قبل “كوفيد” اتصلت بي الناشرة ياسمينة الناجي عن دار “Kulte”، وقالت إن لديها اتفاقا مع مصلحة فرنسية تشجع إصدارات في المجال الثقافي، وعرضت علي ترجمة الكتاب، علما أني كنتُ قد ترجمت فصلين منه منذ ما يزيد عن عشر سنوات، وهكذا تابعت ما كنت قد بدأته، بالتنسيق مع الناشرة والكاتب للمراجعة، واستغرقت الترجمة وقتا كبيرا”.
وحول أهمية هذا المؤلَّف حديثِ الصدور باللغة العربية، ذكر المصرح أنها تكمن في كونه “كتابةً عن رائد من رواد السينما المغربية، احتفاء واعترافا بفضله؛ فقد كان لا يشق له غبار في مجال الإبداع السينمائي، وله أياد بيضاء على الإنتاج السينمائي الوطني والعالمي، وتمكن للاشتغال مع جهابذة الإبداع السينمائي في العالم، فقد اعتمد عليه أورسون ويلز في تصويره لـ”عطيل” بالجديدة، واعتمد عليه سيرجيو ليوني، بمناسبة تصوير فيلم عن نزوح اليهود من مصر، واعترف بفضله الناقد والمبدع السينمائي أحمد البوعناني”.
وواصل المصرح: “لقد كانت لدى عصفور مهارة فك المشاكل، وكان رجل المهمات الصعبة، وكان مشهورا لدى الممثلين والمخرجين”، وكانت زوجته الألمانية المغربية “شريكة له في شغفه بالسينما، وساعدته في إنجاز أفلامه وتوضيبها”؛ لذا يأتي هذا الإصدار “إسهاما في الاعتراف والاحتفاء بهذا الصرح المغربي الفذ، الذي أود لو يحتفي به المهتمون بالشأن السينمائي، وينظموا حوله موائد سواء كانت طويلة أو مستديرة”.
وفضلا عن تأريخ مسار محمد عصفور في الحياة، وتشكّل شغفه بالسينما، قال المترجم عبد الإله خطابي إن من أهم ما يرد في الكتاب “كيف استطاع أن يبني حلمه من لا شيء، وإيمانه ببصيص الأمل. هذا درس في الحياة، ودرس في النضال والجهاد، فرغم أنه لم يتردد على مدرسةٍ يوما، تعلم الحديث بالفرنسية بطلاقة تحديا، وشغف بالسينما وطوّر آلة تصويره بحيل ومهارات لا تخطر على بال، وتدرّج في مدارج العشق السينمائي إلى أن أنجز أول فيلم روائي مغربي طويل، وهو أول من أنشأ ناديا سينمائيا مغربيا وطنيا، ويصلح مثالا يُحتذى للناشئة، وتصلح مقاطع من الكتاب لتدرج في نصوص مدرسية، لعبرتها وتشجيعها على الحلم والكفاح”.
المصدر: وكالات