بعد احتراق أوراقه السياسية في “القارة السمراء”، لجأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى خطة جديدة لتبرير سياسات “قصر الإليزيه” تجاه ما يعتبره “حديقة خلفية” لفرنسا، من خلال اعتماد استراتيجية عسكرية واقتصادية في غرب ووسط إفريقيا حيث تزايد نفوذ روسيا بشكل واسع.
وكشف إيمانويل ماكرون، قبيل جولته إلى أربع دول إفريقية، عن تخفيض الوجود العسكري الفرنسي بالمنطقة، موازاة مع زيادة حضور الجيوش الإفريقية في القواعد العسكرية، سعيا منه لامتصاص غضب “الدول السمراء” من السياسات الفرنسية.
واعتبرت العديد من الفعاليات السياسية المتتبعة للعلاقات الثنائية بين فرنسا وإفريقيا أن التصريحات الجديدة لماكرون موجهة لـ”التضليل الإعلامي”، مشددة على أن “العقلية الاستعمارية” راسخة في “الذهن الفرنسي” الباحث عن استغلال الثروات الاقتصادية للقارة.
ولعل من مساوئ الوجود العسكري الفرنسي بالقارة الإفريقية على امتداد عقود طويلة، لا سيما بالساحل والصحراء، تكريس باريس منطق “الجيوش العسكرية المسيّسة” التي ابتعدت عن أدوارها الحربية البحتة، وباتت تسعى إلى الهيمنة على السلطة، ما يفسّر تواتر الانقلابات العسكرية بشكل مخيف للغاية بتلك الدول.
في هذا الصدد، قال عبد الفتاح البلعمشي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض في مراكش، إن “النفوذ الفرنسي تراجع بشكل كبير لمصلحة النفوذ الأمني الروسي والنفوذ الاقتصادي الصيني، بل حتى الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة لم تعد تتعامل بالحماس نفسه مع السياسات الفرنسية بالقارة”.
وأضاف البلعمشي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الدول الأوروبية سحبت كذلك التفويض على بياض الذي منحته قبل عقود لفرنسا في القارة الإفريقية، خاصة ما يرتبط بالنفوذ العسكري، وبالتالي بات لزاما على فرنسا من باب الواقعية إعادة النظر في تصورها العام بالمنطقة”.
وأوضح الأستاذ الجامعي أن “السياسات الأمنية والاقتصادية الفرنسية تضررت كثيرا بالقارة الإفريقية بعد المتغيرات الجيو-سياسية الأخيرة، حيث تحررت دول عدة من التبعية الكاملة للقطب الفرنسي، وأقدمت دول أخرى على استبدال اللغة الفرنسية باللغة الإنجليزية”.
وأردف بأن “فرنسا عليها استيعاب أن العقلية الإمبريالية لم تعد صالحة للتعامل الاستراتيجي والسياسي مع إفريقيا، خاصة ما يرتبط بالدعم العسكري لطرف على حساب طرف آخر”، مبرزا أن “الشراكة الأمنية ضرورية لكل تحالف، لكن ممارسة النفوذ انطلاقا من المدخل العسكري أمر لم يعد متاحاً حسب الواقعية، ولم يعد مجديا من الناحية السياسية”.
المصدر: وكالات