تفخر ليلى أفلاد، المزدادة سنة 1989 في العاصمة النرويجية أوسلو، بأصلها المغربي عموما، وبالانتساب إلى مدينة أصيلة تحديدا، وما يصاحب هذه البصمة الهوياتية الجينية من خصوصيات تمنحها التميز.
بعد تجربة ميدانية في ملاءمة التشريع النرويجي مع نظيره الدولي في حقوق الطفل، اتجهت أفلاد إلى ممارسة مهنة المحاماة، متزودة في المحاكم بخبرتها العملية السابقة المرتبطة بالعلوم القانونية، مستحضرة أيضا تجربة النشأة في حي غني بالروافد الثقافية التي يفرزها المنحدرون من أصول أجنبية.
لسان العرب
كبرت ليلى أفلاد في أسرة من 6 أفراد، مع أم لا تتساهل بشأن التواصل بالدارجة المغربية في المسكن، حيث كان هذا الإشراف التربوي البيتي متشددا تجاه الحفاظ على الهوية الأصل التي تتصل بالجذور في أصيلة ونواحيها.
تقول ليلى: “لم يكن هناك أي حديث بغير العربية بين أفراد أسرتي في مرحلة طفولتي، كما كنت أرتاد مسجدا مغربيا من أجل تعلم اللغة العربية الفصحى وحفظ القرآن الكريم، لذلك عشت في بيت يصون الثقافة المغربية وكل تقاليدها بأوسلو، ويمتد ذلك إلى المعاملات اليومية مع أقارب يعيشون في النرويج أيضا”.
كما تتذكر أفلاد، بخصوص الفترة نفسها، أن الحرص على التواجد في المغرب مباشرة بعد انتهاء الموسم الدراسي النرويجي، طيلة فصل الصيف، كان يتم عبر رحلات برية طويلة ويقوي أواصر العلاقة مع الوطن الأم، ولا تتأثر هذه الأواصر بالاستقرار في أوسلو وسط حي يحتضن منحدرين من أصول أجنبية كثيرة.
دراسة الحقوق
أقبلت ليلى أفلاد، بعد الحصول على شهادة الباكالوريا في نهاية طور التعليم الثانوي، على دراسة العلوم القانونية من أجل الانفتاح على ميادين مهنية متنوعة، ونجحت في إنهاء الدراسات العليا بنيل “ماستر” سنة 2013.
تذكر ذات الأصل المغربي أن “الميل كان تجاه التخصص في حقوق الطفل، واستلزم التكوين الاستقرار موسما جامعيا واحدا في إنجلترا من أجل الإلمام بالمقتضيات التشريعية الدولية ذات الصلة، ووضع ما يسري في النرويج ضمن الإطار الملائم على المستويين الأوروبي والعالمي”.
وتعتبر ليلى أن الاهتمام بالعلوم القانونية المتصلة بحقوق الطفل كان اختيارا للعقل والقلب، يمزج بين التوجه نحو فضاء اشتغال يغري بالاستيقاظ نشطة كل صباح، من جهة، والتعاطي، من جهة أخرى، مع ما كان يشهده الحي الذي كبرت فيه من حرمان أسر ذات أصول أجنبية من صغارها نتيجة خروقات في التعامل مع الطفولة، لذلك خصصت رسالة “الماستر” لسمو القوانين الدولية على التشريع النرويجي.
أعمال مكتبية
ظفرت ليلى أفلاد، في بداية مسارها المهني، بوظيفة في القطاع العام بولاية أوسلو تتيح لها الدفاع عن حقوق الأطفال الذين يوضعون تحت الرعاية الاجتماعية بعيدا عن أسرهم، متعاطية مع كل حالة على حدة لضمان احترام خصوصياتها العقدية واللغوية من لدن الإدارة.
تقول المنتمية إلى “مغاربة النرويج” إن “هذه المرحلة استمرت 6 سنوات، وركزت قراءات نقدية للقوانين الوطنية تعطي الأولوية لمصلحة الأطفال وفق ما تضمنه الاتفاقيات الدولية من حقوق في مجال رعاية القاصرين متعددي الثقافات، ومحاولة الارتقاء بالممارسة الميدانية إلى مستوى أفضل”.
“راكمت تجربة محترمة، وحاولت المساهمة كخبيرة قانونية في تغييرات على صعيد رعاية القاصرين ذوي الأصول الأجنبية، كما استفدت من هذا الأداء المتصل بالأعمال المكتبية لبناء تجربة أخرى مغايرة مرتبطة بممارسة المحاماة”، تردف ليلى أفلاد.
الطريق إلى المحاكم
شرعت النرويجية المغربية عينها، مطلع سنة 2021، في ممارسة مهنة المحاماة بحكم تخصصها في العلوم القانونية، معطية الأولوية للقضايا التي يتم البت فيها من طرف القضاء بناء على القانون الجنائي، منفتحة على الملفات الأخرى التي ترتبط، على الخصوص، بمضامين القانون المدني.
تعترف ليلى بأن هذا التوجه المهني الجديد يفرض عليها التأقلم مع إيقاع مغاير غير ذاك الذي ألفته عند إقبالها على الأعمال المكتبية، لأن المحاماة تقتضي لقاء الموكلين ثم التواجد في المحاكم، مرورا بخطوات مثل التوجه إلى المؤسسات السجنية وإرساء استراتيجيات للدفاع وإعداد المذكرات.
تقول أفلاد بهذا الخصوص: “سعيدة بكوني محامية تحاول التعامل مع مشاكل الناس والحرص على إيجاد حلول قضائية لفائدتهم، كما أن الفرح ينبع من البقاء ملتزمة بالدفاع عن أسر يتم حرمانها من رعاية أبنائها لأسباب يعددها القانون. وفي هذا الشق، أستثمر ما خبرته في الترافع عن حقوق الأطفال المنحدرين من أصول غير نرويجية”.
بروز الاختلاف
لا تتردد ليلى أفلاد في الاعتراف بعيش أوقات برزت فيها العنصرية، كما لا تتوانى في البوح بأنها “ليست نرويجية بالكامل”. تقول: “اسمي يجعل الآخرين يتعاملون معي كأجنبية، لكن الأهم أنني لا أمنح الغير أي فرصة من أجل معاملتي بكيفية مهينة”.
كما ترى المترعرعة في أوسلو أن قوة شخصيتها تنبع من وعيها التام بقدراتها ومسارها التعليمي والوظيفي الذي يجعلها تقدر ما تقوم به، زيادة على الفخر الذي تبرزه أسرتها، ومجموع أفراد عائلتها، عند استحضار حرصها على التطور يوما بعد آخر.
“في ثالث مرة للتواجد بالمحكمة كمحامية، وكنت وقتها أدافع عن عربي يحتاج مترجما في الجلسة، ولج القاضي إلى القاعة وحسبني مترجمة، وطالبني بتغيير مكان الجلوس بالابتعاد عن الصف الأمامي. أتذكر أنني لم أمنحه فرصة المواصلة حين أخبرته بأنني لا أفهم معنى حديثه بتاتا، ما جعله يعتذر عن السلوك الذي استند إلى مظهري ذي الأصل الأجنبي. الأهم من ذلك، أن مثل هذه الأمور تقع من حين لآخر ولا ينبغي أن تحبط الناس”، تقول أفلاد.
رفع منسوب الثقة
من باب تقديم النصح للمقبلين حديثا على الهجرة، وحتى الباحثين عن نجاحات من المزدادين في بلدان غير تلك المتأصلين منها، ترى ليلى أن السير على المسار الصحيح بثبات لا يمكن أن يتوافق مع الإصغاء لتعابير تدعو إلى الكسل.
كما تعتبر “ابنة أصيلة” أن المنحدرين من أسر تدين بالإسلام يتوفرون على حافز إضافي للتطور دون تردد، ليس فقط من خلال الحفاظ على الطقوس التعبدية التي تزكي النفس، وإنما بالحفاظ على ما تقتضي العقيدة من إيمان قوي بالله العلي القدير.
“تربيت في بيئة أوروبية نرويجية، ورغم ارتباطي بأناس من مختلف المشارب الثقافية والدينية، إلا أنني حافظت على خصوصياتي ذات الصلة بالإسلام على الطريقة المغربية، وقد يكون ما أحققه من نجاحات تلو أخرى يأتي من وضع الأمل كله في الله”، تختم ليلى أفلاد.
المصدر: وكالات