تحصل رشيد بوزيان على تكوين قانوني في المغرب ليصير مؤهلا، لاحقا، إلى العمل في جهاز الأمن الوطني بأماكن عديدة، أبرزها مدينة تطوان والعاصمة الرباط، لكن دوافع اجتماعية عملت على جعله يقرر خوض تجربة هجرة إلى منطقة اسكندينافيا، والعيش في مملكة الدنمارك على وجه التحديد.
لمع بوزيان، في مرحلة لاحقة، ضمن الاشتغالات المتعاطية مع الحاجيات التكنولوجية، وأضحى يعمل لحسابه الخاص بعد الثورة التي شهدتها الرقمنة خلال العقود الأخيرة، لكن ذلك لا يغطي تميزه في حقول أداء مغايرة تماما، كما لا يحول دون تحليه بالعزيمة من أجل التطور في الممارسة السياسية الحزبية.
في ضيافة الشرطة
ازداد رشيد بوزيان في بلدية “أحد كورت” بالمغرب، وفي أحضانها بدأ المسار الدراسي حتى اتخذ والده قرار إرساله إلى مؤسسة مغايرة في “سوق أربعاء الغرب”، وبعد استكمال الطور الإعدادي انتقل لإكمال التعليم الثانوي في مدينة سيدي قاسم؛ موفقا في الحصول على شهادة الباكالوريا قبل التحرك صوب الجامعة.
ويقول رشيد: “اعتدت الترحال في سن مبكرة، وكنت معتادا على الاندماج في أكثر من بيئة قبل الهجرة، بينما أعقبت الحصول على الباكالوريا بالتوجه إلى العاصمة الرباط من أجل التسجيل في جامعة محمد الخامس، مختارا الانكباب على التكوين في العلوم القانونية”.
عمل رشيد في ميدان التعليم بتقديم دروس في اللغة الفرنسية، لكن التجربة لم تستمر غير سنة واحدة بعدما قرر تغيير الوجهة نحو سلك الشرطة، إذ خضع لفترة تكوين قبل الاشتغال في تطوان والرباط على مدى سنوات عديدة، ثم أقبل على تجربة الهجرة نحو الدنمارك.
الدافع الاجتماعي
يذكر رشيد بوزيان أن التخلي عن الوظيفة الشرطية لم يكن أمرا سهلا، خاصة أنه بصم على أداء مهني جيد في القضايا الاقتصادية ومكافحة المخدرات بمدينة تطوان، وأيضا عند توليه، في وقت لاحق، مهامَّ مرتبطة بالاستعلامات العامة في مدينة الرباط.
ويضيف المنتقل إلى الدنمارك أوائل ثمانينيات القرن الماضي: “الدافع إلى الهجرة اجتماعي صرف، ولا علاقة له بأي طموحات اقتصادية بالمرة، إذ تعرفت على امرأة دنماركية صارت زوجتي لاحقا، ونتيجة لهذه العلاقة صرت أفكر في الاستقرار بهذه البلاد الاسكندينافية بعدما رزقت ببنت تحتاج تواجدي جنبها”.
قبل حسم قرار الهجرة، حرص رشيد بوزيان على استكشاف الحياة في الدنمارك من خلال سفر سياحي، وبعدما استغرق زمنا في التفكير المتأني ارتأى المرور إلى المرحلة العملية، وقد استهلها بتقديم الاستقالة من وظيفته بالمغرب عن طريق رسالة خطية حاملة لهذه الرغبة، وسلمها إلى سفارة المملكة بكوبنهاغن كي توافي بها المسؤولين عن الموارد البشرية بجهاز الأمن الوطني.
ضمن رهانات الرقمنة
لقي رشيد بوزيان صعوبات من أجل الاعتياد على العيش في الدنمارك والحصول على فرصة تواتي إمكانياته، لذلك حاول التغلب عليها، أساسا، بالتركيز على دروس تعلم اللغة الدنماركية والالتصاق بالمجتمع من أجل التعرف على طريقة تفكير الدنماركيين.
ويقول المولود في “أحد كورت” إنه جعل البحث عن الرزق على رأس الأولويات من أجل ضمان حاجياته وأسرته، خاصة أن تكوينه الأمني في المغرب لا يمنحه فرصة الإقبال على العمل في المجال نفسه لاعتبارات عدة، أبرزها التباين في محددات الاشتغال بين البلدين، لذلك انخرط في دروس ليلية لتنمية مهاراته في المعلوميات.
بعد الحصول على دبلوم يؤهله للتعاطي مع البنيات الإلكترونية المختلفة، عقب موسمين من التكوين في مؤسسة عليا مختصة، ظفر بوزيان بفرصة للعمل ضمن أطقم بلدية كوبنهاغن، ثم طور مستواه للحصول على شهادة في هندسة المعلوميات للتعاطي مع حاجيات تدبير البنيات التحتية عبر برامج رقمية نوعية.
عطاءات موازية
يستثمر رشيد بوزيان، أيضا، ميله الدائم إلى الرسم كي يفتح لنفسه نافذة إضافية للتواجد في المجتمع الدنماركي عبر الفن التشكيلي، إذ يخصص حيزا من وقته للتعاطي مع الألوان في مرسم خاص به، ثم الإقبال على تنظيم معارض تشكيلية تجعل لوحاته تباع لزبائن ذاتيين ومعنويين، ليقترب من ترويج مائتي لوحة فنية حاملة توقيعه؛ حتى الحين.
ويقول ذو الأصل المغربي: “إلى جانب عملي لحسابي الشخصي في توفير الخدمات ذات الصلة بالمعلوميات، بعد اختياري هذا النسق الوظيفي الملائم لطموحاتي، صرت مواظبا على التعبير فنيا من خلال اللوحات التي أرسمها، وأفخر بوجود بنايات متعددة تحمل على جدرانها جزءا من نظرتي لهذا العالم”.
من جهة أخرى؛ يهتم المستقر في الدنمارك منذ قرابة 4 عقود بالميدان الصحي، ويقول: “كنت قد خضعت لتدخل جراحي، لكنني لم أستوعب جيدا تعابير الطبيب المعالج، وقد قررت مواجهة جهلي بالانخراط في تكوين من سنتين ضمن تخصص الطب الصيني، ويمكنني حاليا أن أتعامل مع هذا المجال بالكيفية الصحيحة المبنية على دراسة فعلية”.
عين على السياسة
يرى الدنماركي المغربي عينه أن الخائضين تجارب هجرة لا يمكن أن يكتفوا بلعب دور خزان للأصوات تستفيد منه التنظيمات السياسية التي تنجح في إقناعهم بمنح الثقة، إنما هم مدعوون إلى التأثير في التدبير لضمان توجيه أنفسهم ومصالحهم نحو مستوى يحقق لهم استفادة أكبر.
ويسترسل رشيد بوزيان: “من هذا المنطلق حرصت على التثبت من مواقف الأحزاب السياسية الدنماركية، وفي النهاية قررت التوجه نحو تنظيم يساري له خط ثابت في التعامل مع قضايا الهجرة، ويؤمن بوجوب تشجيع المنتمين إلى هذه الشريحة ذات الأصل الأجنبي ما داموا يحققون قيمة مضافة”.
أطلق بوزيان تجربته السياسية سنة 2014 بخوض أول سباق انتخابي محلي، ثم عبر من لائحة الترشيح نحو التواجد في صفوف المعارضة بالهيئة المنتخبة المدبرة لشؤون منطقة “كغيف”، وبجانب ذلك يتولى مسؤولية تنظيمية جهوية في حزبه، كما يواصل التشبث بأمل النمو سياسيا حتى يتموقع في مناصب أكثر رفعة.
نقطة اللاعودة
يوصي رشيد بوزيان من اختاروا الهجرة بضرورة استحضار الوصول إلى مرحلة اللاعودة عند الحصول على جنسية البلد المضيف، وكذلك الشأن بالنسبة للأجيال اللاحقة التي تولد في المهجر، لذلك يجب تجنب التيه بالإقبال على الحياة؛ وما يعنيه ذلك من تعلم وعمل وفق ما تسمح به القوانين والقرارات الجاري بها العمل.
ويضيف المشتغل أمنيا في المغرب سابقا: “بجانب وضع الرابط النفسي ثابتا، عن وعي بطبيعة الحال، يمكن استشعار الراحة من لدن الجالية المغربية إذا تعاطى أفرادها إلى العمل السياسي، بداية من المشاركة في التصويت ووصولا إلى الترشح للاستحقاقات الانتخابية كلها”.
“التدبير مؤثر للغاية في كل بلد، ومملكة الدنمارك ليست استثناء في هذا الإطار، لذلك يمكن للناس أن يتحدوا لتحسين الأوضاع من خلال الترافع وكل التعابير الحزبية والسياسية المتاحة، سواء كانوا مواطنين أصليين أو من ذوي أصول أجنبية، وهذا الاتحاد لا أدعو إلى أن يكون ضد الدنمارك وإنما من أجل غد أفضل لهذه البلاد التي ننتمي إليها أيضا”، يختم رشيد بوزيان.
المصدر: وكالات