أمام تواتر الملفات والمتابعات القضائية التي جرت الكثير من السياسيين والمنتخبين إلى المحاكم في قضايا تتعلق بالفساد وهدر المال العام، يبدو أن العديد من المحسوبين على الطبقة السياسية باتوا يتوجسون من هذا الأمر ويشعرون بأنهم “مستهدفون” إعلاميا وشعبيا أكثر من غيرهم من الفئات المعنية بتدبير الحياة العامة والمؤسسات.
وخلال اللقاء التواصلي الذي نظمته لجنة مراقبة المالية العامة بمجلس النواب، مساء الثلاثاء، مع رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها الذي قدم عرضا حول تقرير الهيئة برسم 2022، عبر سعيد بعزيز، عضو الفريق الاشتراكي-المعارضة الاتحادية، عن خشيته من التوجه السائد نحو تبخيس العمل السياسي.
وقال بعزيز: “ما نخشاه هو التوجه الأخير لمجموعة من المؤسسات نحو تبخيس العمل السياسي”، وأضاف مخاطبا رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها أن “المجلس الأعلى للحسابات نجده متخصصا في المنتخبين، وقلناها في مناقشة ميزانية القطاعات”.
وزاد النائب الاشتراكي منتقدا: “اليوم في الإعلام، الحادثة الواقعة في الدار البيضاء يتابع فيها 3 منتخبين فقط، وهم الذين يسود النقاش حولهم عبر التراب الوطني، في الوقت الذي يوجد بين المتابعين أمنيون وإداريون وموظفون لا أحد يتكلم عنهم”، في إشارة إلى قضية “إسكوبار الصحراء” التي يتابع فيها أزيد من 20 شخصا.
وأكد بعزيز أن هذه الثقافة “ينبغي أن نواجهها بدراسات علمية اجتماعية دقيقة”، معربا عن أمله أن تعمل الهيئة على “حملة تحسيسية من أجل حث المواطنين على التبليغ عن الفساد، لأن إشكالية البلاد هي الفساد، وبالتالي يجب أن نحفز المواطنين على التشكي”.
ودعا النائب ذاته إلى إصدار قانون “يؤطر ويلزم الحكومة وباقي المؤسسات بالعمل بتوصيات هيئات الحكامة”، متسائلا: “إذا ظلت هذه التوصيات حبرا على ورق، ما الفائدة والجدوى من إصدارها؟”، موردا: “قد نسميها تبديدا للمال العام في هذه الحالة”، لافتا إلى أن الأمر يتعلق بـ”الفشل في السياسات العمومية؛ فالفقر والتهميش والإقصاء وما يحس به المواطن في بعض المناطق من حكرة وإقصاء وتهميش في حد ذاته يساهم في أن يصبح لقمة سهلة للفساد”.
وأعاد بعزيز التذكير بأن الفريق الاشتراكي-المعارضة الاتحادية “قدم مقترح قانون الإثراء غير المشروع، وينبغي على الحكومة أن تتفاعل معه وتأتي بالمشروع من أجل أن نحارب الفساد فعلا”، مسجلا أن تقارير هيئات الحكامة “ينبغي أن نناقشها بحضور الحكومة، لا بحضور الجهات التي وضعتها، لأن الجهات التي وضعتها وضعت لنا دليلا وخطة عمل وتوصيات لتجاوز العراقيل والتحديات”.
من جهته، نبه أحمد التوزي، رئيس الفريق النيابي لحزب الأصالة والمعاصرة، إلى ضرورة الوعي بـ”خطورة تبخيس العمل السياسي والعمل على ترسيخ صورة عن الأحزاب والمؤسسات في ذاكرة المواطن المغربي بأنها تمثل الفساد”، معتبرا أن هذا الأمر يساهم في “نخْرِ المصداقية في المؤسسات، و90 بالمائة من الشارع المغربي تسأله عن البرلماني يقول لك شفار”.
وأضاف التويزي أن الطبقة السياسية “أريد لها أن تكون مصدرا للفساد، ولكن أغلب مكونات الطبقة السياسية ببلادنا لديها إرادة حقيقية للتغلب على الآفة التي تأتي على الأخضر واليابس”، معتبرا أن المغرب له “إرادة لمحاربة الفساد والظاهرة تنتشر وتزداد، لكن عندنا التشريعات الأساسية لمحاربة الفساد ونتوفر على مساطر، ومع ذلك لم نتقدم في الورش”.
وزاد التويزي أن موضوع الفساد مرتبط بالأحزاب السياسية في مخيلة المجتمع، وهذا يعكس الخطاب الإعلامي الرائج، واستدرك قائلا: “لكن إذا جئنا إلى الواقع، نجد العكس، كيف يمكن للبرلماني أن يكون فاسدا وليس له علاقة أبدا بالمال العام حتى يكون فاسدا؟”، وتابع موضحا: “لكن الضغط الإعلامي على المؤسسات جعل المواطن المغربي يقول إن هؤلاء هم أسباب الفساد، أي الأحزاب السياسية والحكومة وكل ما له علاقة بالانتخابات”، حسب تعبيره.
وفي تفاعله مع مداخلات النواب، اعتبر محمد بشير الراشدي، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، أن المغرب بإمكانه في سنة 2024 أن يمر إلى “حقبة جديدة فيها مقاربة مغايرة تماما لما عاشته البلاد”.
وشدد الراشدي على أن المملكة تتوفر على “جميع المقومات للدخول في حقبة جديدة لمكافحة الفساد”، مبرزا أن هذا الأمر “يفتح أمامنا باب الأمل في مكافحة الفساد، وذلك شريطة تبني جماعي للرؤية والتفعيل انطلاقا مما تم الاتفاق عليه واحترام إطار التنفيذ”.
وحذر المسؤول ذاته من التأخر في المصادقة على القوانين الخاصة بمكافحة الفساد، حيث قال: “اليوم إذا لم يكن تبني للرؤية وتنزيلها سنسقط في مسألة ضياع الوقت”، مشددا على أن التبليغ عن الفساد من “الأوراش التي اشتغلت عليها الهيئة ودعت إلى تعزيز الشروط حتى يكون التبليغ آلية من آليات مكافحة الفساد”.
وأكد الراشدي أهمية الحرص في القانون الجديد على ضمان توفير “حماية المشتكين، ونخرج من القانون الحالي الذي يوفر الحماية الجسدية إلى حماية حقيقية تغطي جميع الجوانب، سواء منها المهنية أو الاقتصادية، وحماية كل ما يتعلق بالشخص”، وذلك من شأنه أن يعزز محاصرة ومحاربة ظاهرة الفساد بالبلاد.
المصدر: وكالات