موازاة مع النقاش العمومي الدائر حول إصلاح مدونة الأسرة، تنشر جريدة هسبريس الإلكترونية تفاصيل النقاشات التي دارت بين أعضاء اللجنة الملكية الاستشارية لمراجعة مدونة الأحوال الشخصية، برئاسة إدريس الضحاك، حول مختلف القضايا المضمنة في المدونة، كما هي مضمنة في مجلد “الأعمال التحضيرية لمدونة الأسرة”. ونخصص هذه الحلقة لمسألة “طاعة الزوجة لزوجها”.
الطاعة بدون إذلال
بحذَر شديد تعاطت اللجنة الملكية الاستشارية لمراجعة مدونة الأحوال الشخصية مع مبدأ “طاعة الزوجة لزوجها”، إذ عبّر أعضاء من اللجنة عن تحفّظهم على التنصيص على هذا المبدأ في نص المدونة، في الشق المتعلق بالحقوق والواجبات بين الزوجين.
وتَكشف الأعمال التحضيرية لمدونة الأسرة أن مبدأ طاعة الزوجة لزوجها كان مثار تفاوت في الآراء المعبّر عنها من طرف أعضاء اللجنة، لكنّها صبّت في مجملها في تقييد هذا المبدأ، حتى من طرف مؤيديه، حتى لا يتم استغلاله من طرف الزوج للتعسف على زوجته.
عضوان من اللجنة ربطا إقرار مبدأ الطاعة بأن تكون “طاعة الزوجة لزوجها بما تقتضيه من الود والاحترام بعيدا عن البغي عليها، وبالمعروف في القيام بحقوق الزوجية، وتَقبل التوجيه الديني والتربوي والإرشاد لما فيه خير الأسرة والأولاد بصفته رئيس الأسرة وراعيها”.
الاتجاه الذي تبنى هذا الطرح داخل اللجنة الملكية الاستشارية لمراجعة مدونة الأحوال الشخصية أكد أن المقصود بـ”المعروف” في مبدأ طاعة الزوجة لزوجها هو “التوسط والاعتدال في المعاملة، وتجنب البغي والإذلال، مع مراعاة الظروف الاجتماعية والمستوى الثقافي لكل من الزوجين”.
الطاعة المتبادلة
هذا الرأي قابَله رأي مخالف دعا إلى الاستغناء عن كلمة “الطاعة” بين الزوجين، بمفهومها وثقلها المترسخ في ثقافة الناس، إذ تعني عندهم أن هناك تابعا ومتبوعا، معللا موقفه بكون المرأة في الماضي لم تكن تتحمل مسؤوليات، بخلاف ما هو قائم حاليا، حيث حمّلها القانون المسؤولية في كثير من الحالات، وينظر إليها باعتبارها كائنا مسؤولا وفعالا داخل المجتمع.
وقال أحد الأعضاء من الاتجاه الذي طالب بإلغاء طاعة الزوجة لزوجها بمفهومها المتعارف عليه في المجتمع إن مفهوم الطاعة، وإن كان واردا في القرآن الكريم، إلا أنها جاءت في حالة خاصة حينما تعصي المرأة زوجها وتنشز، لافتا إلى أن المبدأ العام الذي يحكم العلاقة بين الزوجين هو قوله تعالى “ولهنّ مثلُ الذي عليهن بالمعروف، وللرجال عليهن درجة”، ومبرزا أن “أحكام القرآن قابلة للتطبيق في أي وقت”.
واستند عضو اللجنة ذاته إلى الآية “وللرجال عليهن درجة”، معتبرا أن هذه الدرجة “تكبُر وتقلّ حسب تطور المجتمع وحسب حياة الناس وتصرفاتهم ووازعهم الديني”.
واقترح العضو ذاته، تفاديا لما قد تُحدثه كلمة “الطاعة” في حال الإبقاء عليها في نص المدونة، من تنافر ومشاكل داخل الأسرة، وحتى لا تترك من جهة أخرى أمور البيت للفوضى، أن تكون الأسرة تحت رئاسة الزوج، وأن تكون الزوجة ملزمة بالمساهمة في تسيير شؤون الأسرة ورعايتها.
ودعا عضو آخر إلى إعادة النظر في مفهوم طاعة الزوجة لزوجها، “نظرا لما أصبحت تعْنيه هذه الكلمة من معانٍ مشحونة بالتعسف والتسلط، لأن الواقع أفرز صورا سلبية نتيجة الطريقة التي يمارس بها الرجل هذا الحق، ما خلق حساسية إزاء هذه الكلمة”.
وبيّن العضو ذاته أن الطاعة، انطلاقا من كون الشرع جعل بيت الزوجية فضاء للتساكن والمساكنة بالمعروف… “تكون متبادلة بين الزوجين في كل ما يحقق المصلحة العامة لهذا الكيان الصغير والأساسي في المجتمع، فتطيع الزوجة زوجها ويُطيع الزوج زوجته بالمعروف، وفي ما كانت غايته تحقيق الأهداف السامية والنبيلة للأسرة كما نظمتها الشريعة الإسلامية”.
أعضاء اللجنة الملكية الاستشارية لمراجعة مدونة الأحوال الشخصية، الذين دافعوا عن إسقاط مبدأ “الطاعة”، اعتبروا أن الأخذ بمقاصد الشريعة الإسلامية والإنصاف لقضايا المجتمع “أمر ضروري لتحقيق المزاوجة الخلاقة بين ديننا ومستجدات عصرنا”.
وجاءت الصيغة النهائية لمدونة الأسرة خالية من مبدأ طاعة الزوجة لزوجها، حيث تم التنصيص في المادة 51 من المدونة على “المعاشرة بالمعروف، وتبادل الاحترام والمودة والرحمة والحفاظ على مصلحة الأسرة”.
المصدر: وكالات