في استعراضها للتداعيات المحتملة لاستمرار التوتر في العلاقات بين المغرب وجنوب إفريقيا، توقعت ورقة سياسية حديثة صادرة عن مركز “أنترجيونال للتحليلات الاستراتيجية” أن “تتصاعد وتيرة التباعد في وجهات النظر السياسة بين البلدين في الفترات المقبلة بشأن إدارة عدد من الملفات؛ أبرزها ملف الصحراء المغربية”.
ورجحت الورقة السياسية ذاتها أن تدفع تطورات العلاقات بين البلدين في تجاه تكرار سيناريو توتر سنة 2004، حينما غادر سفير بريتوريا المملكة المغربية عقب اعتراف حكومة هذا البلد بجبهة البوليساريو.
في هذا الصدد، أشارت الوثيقة إلى الخطاب الملكي في الـ20 من غشت من سنة 2022، الذي أكد من خلال العاهل المغربي أن “ملف الصحراء بات النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم والمعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكة”، مذكرة في الوقت ذاته بالتباعد السياسي والدبلوماسي الذي حدث بين الرباط وتونس على خلفية استقبال رئيس هذه الأخيرة لزعيم الانفصاليين خلال قمة “تيكاد” التي انعقدت في تونس أواخر غشت من العام 2022، أي مباشرة بعد خطاب الملك محمد السادس.
كما توقع المصدر ذاته تأثر التفاعلات الاقتصادية بين الرباط وبريتوريا، مؤكدا أنه “رغم كون جنوب إفريقيا من أحد الشركاء التجاريين الرئيسيين للمغرب في القارة الإفريقية حيث بلغ إجمالي حجم التجارة بين البلدين أكثر من 634 مليون دولار في عام 2022؛ فإن الخلافات السياسية القائمة بين البلدين قد تدفع إلى تراجع أنماط التبادل التجاري والاستثماري المشترك بينهما”، مشيرا في هذا الصدد إلى تصريحات سابقة لوزير الخارجية المغربي لفت من خلالها إلى أن “مواقف بريتوريا من الصحراء المغربية توثر سلبا على العلاقات الثنائية بين البلدين، خاصة في شقها الاقتصادي”.
ومن بين التأثيرات الأخرى لتصاعد التوتر بين المملكة المغربية وجنوب إفريقيا، سجلت الورقة السياسية عينها “تباعد المواقف بين البلدين في المحافل الدولية والإقليمية”، معتبرة في هذا الإطار أن “الخلافات السياسية بينهما ستؤثر على نحو سلبي في تنبي مواقف مشتركة، سواء على المستوى الأممي في إطار الأمم المتحدة أو على المستوى الإقليمي في إطار منظمة الاتحاد الإفريقي”.
وأشارت في هذا الصدد إلى “عدم إصدار الرباط أي بيان رسمي مريد لخطوة بريتوريا بمقاضاة إسرائيل”، باعتباره نموذجا على حالة التباعد المحتملة في مواقف البلدان في المحافل والمنصات الدولية.
وفي استعراضها لأبرز أبعاد تصاعد وتيرة الخلافات السياسية بين العاصمتين، لفت المصدر ذاته إلى احتدام المنافسة بين البلدين لرئاسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، قبل أن يحسم المغرب هذا المنصب لصالحه بأغلبية مريحة، ثم “اتهامات” جنوب إفريقيا للرباط بـ”عدم الالتزام بمبادئ حقوق الإنسان”، حيث اعتبر سفير هذا البلد الواقع في جنوب القارة السمراء لدى الأمم المتحدة أن “انتخاب المغرب لرئاسة هذا المجلس سيحطم من شرعيته”، بتعبيره.
كما أشارت الورقة السياسية عينها إلى تباين المواقف بخصوص ملف الصحراء المغربية والأزمة التي تفجرت على خلفية قمة “البريكس” الأخيرة التي استضافتها جنوب إفريقيا والتي حضرها زعيم البوليساريو، ونفي المغرب تقديمه لأي طلب للانضمام إلى هذا التكتل الاقتصادي، أضف إلى ذلك “التأثير المعاكس للتنسيق بين الجزائر وبريتوريا” والذي أسهم بدوره وبشكل كبير في تفاقهم الخلافات المغربية الجنوب-إفريقية.
وخلصت الوثيقة إلى أنه “على الرغم من الصلات التاريخية التي ربطت جنوب أفريقيا بالمغرب بفعل تقديم الأخيرة الدعم المالي والعسكري لحزب “المؤتمر الوطني الإريقي” في كفاحه المسلح ضد نظام الفصل العنصري “الأبارتهايد” الذي سقط في عام 1991؛ فإن الصلات المعاصرة بين الجانبين تأثرت بشدة بموقف جنوب إفريقيا الداعم لجبهة البوليساريو بشأن تقرير مصير الصحراء بعيدا عن السيادة المغربية”، مسجلة أن “الرباط ترى في هذا الأمر مساسا مباشرا بوحدة وسلامة أراضيها. وقد ألقى هذا الموضوع، في كثير من الأحيان، بظلاله السلبية على مسار تطور ومضامين التفاعلات الثنائية القائمة على التنسيق والتعاون المشترك خلال السنوات الأخيرة”.
المصدر: وكالات