- شرقي الجهراء إلى الصبية مروراً بكاظمة كانت منطقة تشاهد فيها الذئاب حتى نهاية أربعينيات القرن الماضي
- عاينت مواضع حيطان صغيرة ذات خروق مستديرة جُعلت للصيادين المتعقبين الذئاب القاتلة للأغنام والمؤذية للبشر
- الشاعر المخضرم الفزاري وثّق حادثة له مع ذئب عرض له في الطريق وكيف ترك له ولعياله الناقة المذبوحة بمحض رغبته
- الفرزدق الشاعر الشهير قطع رجل ويد الشاة ورماهما لذئب جائع وأنشد برغبته في المواثقة معه على الأمان وعدم الخيانةحتى يكون معه مثل الصديق المصاحب
- الشاعر النبطي الكويتي صقر النصافي يخاطب الذئب كأنه صديق يشكو له همه وما كان يعانيه بسبب فراق من يحب ويسأله عن أحوال المحبوب
بقلم :د.يعقوب يوسف الغنيم
ليس بمستغرب أن تكون مسامرتنا لهذا اليوم حول: الذئب، فهو حيوان له شهرة بين الحيوانات من أَكَلَةِ اللحوم، وكان له وجود عندنا في الكويت، وله ذكر في كثير من الأصول التي نرجع إليها، وأهمها القرآن الكريم، والحديث الشريف.
نقرأ في كتاب الله قوله تعالى في سورة يوسف عند ذكر النبي يعقوب عليه السلام وهو يخاطب أولاده: «قال: إنه ليحزنني أن تذهبوا به، وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون، قالوا: لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذاً لخاسرون».
وورد ذكر الذئب في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ضمن حديث طويل رواه البخاري، ونص ذلك:
«والله ليتمنَّ هذا الأمر (يعني الإسلام) حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئبَ على غنمه».
ومن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من كانت له قصة مع ذئب رآه في البريَّة، وقد وردت هذه القصة في كتب الحديث والكتب التي تسرد سير الصحابة رضي الله عنهم.
اسم هذا الصحابي: أهبان بن الأكوع السُّلَمي، وصار يدعى – من أجل قصته هذه – مُكلِّم الذئب، وقد روى حكايته – ضمن من رواها – محمد بن سعد في كتابه الطبقات الكبرى (ج 4 ص 308)، يقول: «بينما هو يرعى غنما له، عدا الذئب على شاة منها، فأخذها – أهبانُ – منه، فَتَنحَّى الذئب، وأقعى (جلس على ذنبه) وقال: ويحك لِمَ تمنع مني رزقاً رزقنيه الله؟ فجعل أهبان يصفق بيديه متعجباً، ويقول: تالله ما رأيت أعجب من هذا، فقال الذئب: إن أعجب من هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين هذه النخلات، وأشار إلى المدينة، فحدَّر أهبان غنمه إلى المدينة، وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحدَّثه، فعجب الرسول الكريم لذلك، وأمره إذا صلى العصر أن يحدث أصحابَهُ بذلك ففعل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدق، في آيات تكون قبل الساعة.
وقد عاش أهبان بعد ذلك زمنا إلى عهد معاوية بن أبي سفيان المتوفى سنة (60 هـ – 680 م)، وصار حديثه هذا مستفيضاً، ولم يُنكره أحد.
وورد ذكر الذئب في أشعار العرب، وأحاديث الرواة الذين كانوا يروون للناس أخبار ما كان قد حدث من قبل، ومن رواياتهم قصص تتعلق بالذئاب وفتكهم، ومدى إيذائهم للبشر. وسوف نعود إلى ذلك في النهاية.
***
تقع المنطقة التي كانت الذئاب تُشاهد فيها – بالكويت – حتى نهاية أربعينيات القرن الماضي في شرقي الجهراء إلى الصبية مروراً بكاظمة. وكان الطريق المؤدي إلى النهاية المذكورة، وهو لا يزال مسلوكاً حتى الآن، مَمَرّاً للقوافل التي كانت تجلب معها بعض المواشي التي هي مطمع الذئاب، ومن أجل ذلك فقد كان كل ذئب يتوقع أن يحصل منها على ما يريد لطعامه إن سنحت له الفرصة.
واستمرالأمر على ذلك، إلى أن تغير الحال، وكثرت حركة السيارات العابرة، وزاد تردد الناس على تلك الأمكنة فانقطعت الذئاب عن هذا الموقع ولا يُعرف أين ذهبت.
وأنا أشير هنا إلى أنني شاهدت – عندما كنت صغير السن – حينَ كنت مع بعض أهلي في الطريق إلى كاظمة مشياً؛ مَمَرّاً مائياً مُتَفرِّعاً من نهاية جون الكويت الغربية، وكان حوله في عدة مواضع حيطان صغيرة لا يزيد طول أحدها عن متر ونصف بارتفاع متر واحد، وفي الوسط الأعلى لكل حائط خرق مستدير يستطيع المرء أن ينظر من خلاله إلى الجهة الأخرى، وقد سألت – آنذاك – عن الداعي لوجود مثل هذه الأشكال الغريبة المبنية في هذا المكان؛ فقيل لي: جعلت هذه للصيادين الذين يتعَقَّبُون الذئاب أيام كانت تأتي إلى هنا، فتضر المتواجدين في الموقع، وتفتك بأغنامهم، ولا يسلم أحد منها، فهم يختفون وراء هذه الموانع ويبصرون الذئاب إذا أتت بواسطة الخرق الموجود في كل حائط، حتى يتمكنوا من رؤية هدفهم، فيطلقوا عليه النار من بنادقهم.
ولا شك في أن هذه المظاهر قد زالت الآن كما زال غيرها.
***وهنا نعود إلى ما سبقت الإشارة إليه عن تردد ذكر الذئب في الشعر، وفي أحاديث الرواة، فنشير – أولا – إلى هذه الحكاية التي وردت في عدد من الكتب القديمة، وفيها أن امرأة مسنة وجدت ذئباً صغيراً حديث الولادة، فعطفت عليه، وَرَبَّته، وكانت لديها شاة في ضرعها حليب، جعلتها ترضعه إلى أن كبر.
وهنا عادت إليه طبيعة الذئب، فعدا على الشاة وعقرها وأكل جزءًا منها، وقد شاهدت المرأة ما حدث، فصارت تندب حظها وتخاطب الذئب قائلة:
عقرت شويهتي وكسرت قلبي
فمـن أدراك أن أباك ذيـب
وإذا عدنا إلى الشعر فإننا سوف نجد ما يلي: ممن ذكر الذئب في الزمن القديم واحد من شعراء العرب البارزين هو أسماء بن خارجة الفزاري، وهو شاعر مخضرم بين الجاهلية والإسلام، وقد مدحه شعراء كبار كالفرزدق والأعشى (أعشى باهلة) لمكانته، وطيب عنصره، توفي في سنة 60 هـ التي توافق سنة 679م، وله من العمر تسعون سنة.
أورد له عبد الملك بن قُريب الأصمعي في مجموعته الشعرية التي أطلق عليها اسم: الأصمعيات؛ قصيدة طويلة متعددة الأغراض، كان أهم ما تضمنته هو الفخر بنفسه وبأهله، وقد فاق عدد أبياتها ستة وثلاثين بيتاً.
بدأها كعادة الشعراء الأوائل بالغزل، ثم اتجه إلى موضوعات أخرى، كان في آخرها ذكره للذئب الذي عرض له في الطريق، وما صنع له، دون أن يذكر أنه ذئب، ولكن هذا واضح من وصفه الذي يقول فيه:
ولقد أَلَمَّ بنا لـنـقــريَــهُ
بادي الشقاء محارف الكسب
جاء الذئب يريد القِرَى (الطعام)، وهو فيما يبدو قد كابد الشقاء حتى بدا على هيئته، وَتَعَذَّرَ عليه الكسب فهو جائع.
ثم مضى في حديثه إلى الذئب قائلاً:
يا ضَلَّ سعيكَ ما صنعتَ بـمـا
جَمَّعْتَ مـن شُــبٍّ إلى دُبِّ
لـو كُنتَ ذا لُبٍّ تعيـشُ بِــهِ
لفعلت فعـل المرء ذي اللُّبِّ
فجمعت صالحَ ما احترشْتَ ومـا
جَمَّعْتَ من نـهبٍ إلــى نَهبِ
واستمر في تبكيت الذئب منذ قال له لقد ضاع مسعاك، ولم تهتد إلى ما ينفعُكَ، لأن ما صنعته فيما جمعته منذ كنت في زمان فتوتك لم تحفظه لمشيبك، إنك لو كنت ذا عقل تهتدي به لجمعت كل ما حصلت عليه واحتفظت به حتى ينفعك في وقتك هذا.
ولكن الذئب يرى أن وقت الاستفادة من النصح قد ولَّى بالنسبة إليه، فهو – الآن – جائع، ويريد أن يُشبع بطنه، ولذا فقد صار يُلحُّ على الشاعر حتى جعله يقول:
فرأيتُ أن قد نلـتـه بـأذىً
من عَذْمِ مَثْلَبَةٍ ومـن سَـبِّ
ورأيت حقا أن أُضَـيِّـفـَـهُ
إذ رام سلمى واتقى حربـي
فوقفت معتـامــا أُزاولهـا
بِمُهنَّدٍ ذي رونـق عَضْــبِ
فعرضْتُهُ في ساق أسمنها
فأختار بين الحاذِ والكـعب
لقد عاد أسماء بن خارجة إلى طبيعته في الكرم، فوقف مُختاراً يضرب ساق الناقة التي اختارها بالسيف الحاد حتى اجتاز ساقها إلى كعبها. (عذم: لوم، مثلبة: نقص): ثم قال:
فتركتها لعيالــه جــزراً
عمداً، وعلق رَحْلَهَا صَحبي
بَدَا الكرم واضحاً، بأن ترك الناقة المذبوحة (جَزْراً) لعيال الذئب، بمحض رغبته متعمداً بذلك غير مضطر إليه، ثم حمل أصحابه رحل الناقة التي ذُبِحَتْ وساروا معه.
ووصف الشاعر حميد بن ثور الذئب في قصيدة طويلة، وكان هذا الذئب يَتَتَبَّعُ جيشاً، وهو طامع في اختطاف من يتخلف عن ذلك الجيش من الرجال، فهو لا يرغب في القتلى ولا يأكل إلا ما افترسه بنفسه:
فظل يراعي الجيش حتى تغيَّبتْ
حُباشُ، وحالت دونـهن الأجارعُ
خفيف المِعَـا إلاّ مصـيـرا يَبلُّـهُ
دم الجوف أو سُؤْرٌ من الحوض ناقعينام بـإحدى مقلتيــه و يتّـقـى
بأخرى المنايا، فهو يقظان هاجـع(حباش: اسم موقع، والاجارع: أماكن فيها رمال مُستوِية).
وللشاعر الفرزدق (همَّام بن غالب) قصيدة من أجمل قصائده ابتدأها ببداية مختلفة عن بدايات الشعر لدى غيره من الشعراء، فهو في قصيدته هذه يتحدث إلى أصحابه ممتدحاً قبيلته إلا أن بدايتها كانت لها حكاية رواها الرواة وهي:«كان الفرزدق خارجاً من الكوفة مع رفاقٍ له، وفي طريقهم، عند آخر الليل نزلوا لكي يناموا، وكان على بعير واحد منهم شاةٌ مسلوخة – أعجله المسير فربطها إلى جمله وسار بها – فجاء الذئب في الليل وهم نيام، فحرَّكَ الذبيحة، وذُعرت الإبل واضطربت، فهَبَّ الفرزدق من نومه ورآى الذئب، فقطع رجل الشاة ورماها إليه، فأخذها وذهب بها ثم عاد فقطع له اليد، وفي الصباح أخبر الفرزدق أصحابه بما حدث، وقال:
وأطلس عسَّالٍ وما كان صاحبا
دَعَوتُ لِنَاري موهِناً فَأَتاني
فَلَمّا دَنـا قُلـتُ اِدْنُ دونَكَ إِنَّني
وَإِيّاكَ في زادي لَمُشْتَرِكانِ
فَبِتُّ أقـد الـزادَ بَينـي وَبَينَـهُ
عَلى ضَوءِ نارٍ مَــرَّةً وَدُخانِ
(أتاني ذئب أطلس: مغبراللون يميل إلى السواد، يضطرب في مشيته في آخر الليل).
ولقد كان الفرزدق حذراً، ومستعدًّا للدفاع عن نفسه إذا ما أراد الذئب افتراسه، ولذلك فقد وجه إلى ذلك الوحش ما يلي:
فَقُلتُ لَهُ لَمّا تَكَشَّرَ ضاحِكاً
وَقائِمُ سَيفي مِن يَدي بِمَكانِ
تَعَـشَّ فَـإِن واثَقتَني لا تَخونَني
نَكُن مِثلَ مَن يا ذِئبُ يَصطَحِبانِ
وَأَنتَ اِمرُؤٌ يا ذِئبُ وَالغَدرُ كُنتُما
أُخَيَّينِ كانـا أُرضِـعـا بِلِـبـانِ
وَلَو غَيرَنا نَبَّهتَ تَلتَمِسُ القِـرى
أَتاكَ بِسَهمٍ أَو شَبـاةَ سِنـانِ
إنه بهذا يَمُنُّ على الذئب أنه قد قدم له الطعام على الرغم من علمه بغدره، وتَحَيُّنِهِ الفُرص للفتك بمن يكون أمامه. بل هو يقول له: تناول عشاءك، يريد أن يُواثقه على الأمان، وعدم الخيانة حتى يكون معه مثل الصديق المصاحب.
وكانت هذه بداية القصيدة، وهي بداية جميلة أوحَى بها هذا الذئب الذي جاء إلى ذلك الركب معادياً فأحالة الفرزدق – بخياله – إلى صديق.
ولم يكتف هذا الشاعر بما قاله، بل لقد قال قصيدة أُخرى، فيها ذكر الذئب، وفيها:
تَلَمَّسَنا حَتّى أَتانا وَلَم يَـزَل
لَدُن فَطَـمَتهُ أُمُّـهُ يَتَلَمَّسُ
وَلَو أَنَّهُ إِذ جاءَنا كانَ دانِياً
لَأَلبَستُهُ لَو أَنَّـهُ كانَ يَلبَسُ
وَلَكِن تَنَحّى جَنبَةً بَعدَما دَنا
فَكانَ كَقَيدِ الرِمحِ بَل هُوَ أَنفَسُ
فَقاسَمتُهُ نِصفَينِ بَيني وَبَينَهُ
بَقِيَّةَ زادي وَالرَكايِبُ نُـعَّسُ
***وجاء ذكر الذئب في الشعر النبطي الكويتي، ومما قرأنا من ذلك ما قاله الشاعر الكويتي صقر النصافي، وهو في رأيي من أجود ما قيل في هذا الشأن لأنه تناول في قصيدته مسائل إنسانية أشار إليها بإشارات جميلة، وبأسلوب واضحٍ معبّر، كان يوجه قوله مخاطباً الذئب وكأنه صديقٌ له، فيشكو إليه همَّه، وما كان يعانيه بسبب فراق من يحب، ويسأله:
ياذيب ياللى بالخلا ما يدانى
ما شفت لى حول الثميلة ابويتينْ
ثم يتخيل الذئب وهو يرد على سؤاله:
مريت لى بيتين يا مودمانى
عنها شمال وفى ضبطها امقيمينفيسأله: هل قَرُبتَ من البيتين؟ وهل شاهدت هناك من يشتاق له قلبي؟ ويواصل قائلاً:
أنا الذى من شاف زولى نحانـى
ما احرزت اجيهم خابرٍ غيبهم شينْ
يا ذيب ما عينت صافى الثمــانِ
عـنـد الغنـم، وِلاّ يرِدْ البعارينْ
انا مَعَرْف الصاحب المرحبانى
والناس واجد والعذارى مزايينْ
فيقدم الشاعر للذئب وصف المحبوب:
ما رّيــتـه ياذيب عوده لِيانِ
والنور بين اقذيلته والحجاجينْ
وتنتهي هذه المحاورة بين الذئب وصاحبه بامتنانِ الشاعر لما حصل عليه من معلومات عمن يحب، ولذلك فهو يدعو للذئب هذا الدعاء:
الله ايوفقك للشياه السّمانِ
من مال كرهين الوُجُوه البخيلينْ
وهذه القصيدة في ديوانه في ثلاثة عشر بيتاً، أما معاني بعض الألفاظ الواردة فيها فكما يلي:
الثميلة: موقع الماء القريب من وجه الأرض، سهل التناول.
مودماني: إنسان.
ضبطها: وسطها.
نحاني: جاء إلى ناحيتي.
خابر: اعرف ذلك من قبل.
عينت: شاهدت.
ماريته: علامته.
اقذيلته: شعر رأسه المطِل على وجهه.
الحجاجين: الحاجبين.
وأمدني الأخ الكريم الشاعر خالد المنشرح العجمي بأبيات من نظمه ذكر فيها الذئب، وذلك باسمه عندنا، وباسمه الثاني المعروف هنا – أيضاً – وهو: سرحان. والأبيات غزلية يتذكر فيها الشاعر ماضيه، بعد أن استمع إلى عواء الذئب فأثار ذكرياته، يقول:
هيضني صوت اعواك ياذيب سرحانْ
جَدَّدْ عَلَيْ جرحٍ تلاشىَ من اسنينْ
ذكّرتني في صاحبي خَدْرَ الأعيانْ
اللي هَدَبْ عينه سِواة النياشيـنْ
غِروٍ لَعَبْ في حسبتي ذيك الأزمانْ
ذاك الـغـزال اللي يِقودْ المزايينْ
إليا تمشَّى خطوته قلت سِلطانْ
رَبِّي عطاه إمْن الوصايفْ تَلاَوِينْ
كل من يشوفه صاح لطفك يا رحْمنْ
سبحان من كوَّنْ بَهْ الزين تكوينْ
أيام راحتْ كنت بالحبْ هيمان
ما غير أناظرْ وجهها واملي العينْ
واليوم دالِهْ غاشيِ القلب نسيانْ
هيضتني بِعْواك ياذيب هالـحينْ
***
كان الذئب في زمان الكويت القديم متواجداً – كما قلنا – في بعض الأماكن البعيدة عن العاصمة ومنها الموقع الذي سبقت الإشارة إليه. وكان حيواناً مخيفاً يُتَّقَى شرُّه، ومن أجل ذلك فهو على كل لسان، حيث نرى له وجوداً في الأمثال الشعبية، وألعاب الأطفال، والحكايات التي تروى في المجالس، ويتم تداولها. ومما جاء عنه في الأمثال الشعبية الكويتية قولهم:
– فلان ذيب أمعط. إذا كان مجرباً، يعرف كيف يتخلَّص من المشكلات. (معنى أمعط: شديد البطش ومع الخُبث).
– الذيب في الجليب، يقال في حالة التحذير من شيء لا يراه المخاطب. (الجليب هو البئر).
– ذيبٍ إيعَسعس، ولا سبعٍ نايم. بمعنى أن الذئب الذي تبدو حركته البطيئة قد يكون أقل شراً من الأسد النائم، الذي إذا هب من نومه فتك بمن أمامه، وهذا المثل فيه حثٌّ على النشاط وعدم الكسل.
– الذيب ما يهْرول عبث، بمعنى أنه لا يجري في سيره مسرعاً إلا لغاية. ويضرب هذا المثل للإنسان المتجه إلى هدفه.
وهكذا…
ومما جاء في الألعاب الشعبية التي يقوم بها الأطفال عادة؛ لعبة تُمثِّلها الفتيات الصغيرات حين يجتمعن إلى جوار مساكن أهاليهن، وذلك بأن يخترن من بينهنَّ واحدة تقوم بدور الذئب، وأخرى تقوم بدور الأم، وباقي الفتيات يقمن بدور الغنم، ومن أجل ذلك فإن اسم هذه اللعبة: الذئب والغنم، وتبدأ بأن يحاول الذئب افتراس واحدة من هذه الغنم، فتقوم الأم بِصدِّهِ، والفتيات يتهربن منه، ويقفزن مع ترديد ما يلي:
الذئب: أنا الذيب باكِلْكُمْ.
الأم: أنا أمكُم واحميكم.
مع تكرار ذلك، إلى أن يتمكن الذئب من مراوغة الأم واختطاف إحداهنّ، وهنا تحل المخطوفة محل الذئب ويصير الذئب واحدة من الفتيات كما هو في الأصل.
وهكذا تتكرر اللعبة إلى أن يمضي الوقت فينصرفن إلى بُيوتِهنَّ.
***وفي الختام نذكر أن أحد أبناء الكويت شاهد أخيراً أحد الذئاب في ذلك المكان البعيد السابق ذكره، وكان في رحلة برية ربيعية، فخاطب الذئب قائلاً له:
يا ذيب واشجابك عقب غيبة اسنينْ
وصرت اتمشَّى في المفالي إلحالِكْ
لا ذيبْ من ربعك اتْلاقيه هالحينْ
صار الفلا خالي مــن اللـي ابَالِكْ
الأرض غير الأرض، أُوْ فيها امحيطين
إن جيتهــم وافـاك منهم زِوالِكْ
تقنب وربعك عَنْك صاروا ابعيدينْ
ما اتشوف واحدْ لو تلفـتْ جَالِـكْ
خَلِّكْ معاهم والتمس منهم امعِينْ
أَخَيْر لك من ضيــعتِـكْ بالمهالِكْ
اليوم غير الأمس، وتْشوف بالعينْ
ما عـاد بَــهْ نـفـع الْربْعك ولا لِـكْ
وإلى هنا ينتهي حديثنا عن الذئب أو الذيب كما ينطق في اللهجة الكويتية، وكما يسمى أحياناً: السرحان.