تكريمٌ لتجربة الشاعر أحمد لمسيّح، وعبره تجربة الشعر المكتوب بالدارجة المغربية المعروفِ بالزجل، حضر، الجمعة، في أول أيام المعرض الدولي للكتاب والنشر بالرباط، بعد إعلان جائزة المغرب للكتاب، في سابقة بالمشهد الثقافي بالمملكة، تتويج ديوانه الشعري الزجلي “جْزيرة فالسما” في صنف الشعر.
مراد القادري، رئيس بيت الشعر بالمغرب، الذي سبق أن ناقش أطروحةَ دكتوراهُ حول التجربة الشعرية للمكرّم، قال في تقديم الشاعر أحمد لمسيح إن “جائزة المغرب للكتاب لم تحتفِ يوما بشعر العامية، المعروف بالزجل، رغم غناه كما ونوعا، وحضوره في الحياة الأدبية والفنية؛ فجاء تتويج ديوان ‘جزيرة فالسما’ بعد سنوات من النسيان وغض الطرف عن شعر العامية، لم تثن الزجالين عن المشاركة في صنف الشعر من باب ‘نحن هنا’، أو الإحراج لا غير”.
وتابع القادري: “أحمد لمسيح كان أول من أصدر ديوانا زجليا في تاريخ الشعر العامي بالمغرب، وعمل على تطوير المكتبة الشعرية العامية بـ 25 ديوان شعر، ونجح في أن يكون أول من يتوج بجائزة المغرب للكتاب في صنف الشعر، فاتحا الباب لأجيال قادمة؛ فقدره أن يكون فاتح أبواب، معبِّدا السبل”.
ثم أردف المتحدث: “النصوص الإبداعية بالدارجة عانت دوما من كونها إبداعا جانبيا، يعيش على جانب الآداب الرفيعة المكتوبة باللغة العربية، اللغةِ الرسمية ولغة القرآن. ورغم شك البعض واصل لمسيّح استثماره الشعري للغة الأم، وكان وفيا للعامية، وكان وفاءُ العامية له أشد وأكبر؛ فمنحته الطوع لاستغوار إمكاناتها الشعرية؛ ووضعَته عبر ديوانه الأخير على منصة أرفع جائزة مغربية للكتاب، معلنة خروج شعرها من دائرة النسيان”.
وتحدث رئيس بيت الشعر بالمغرب عن تجربة الشاعر المكرّم منذ ديوان “شْكونْ طْرَزْ لْمَا؟” (مَن طرز الماء؟) في “تكثيف شعرية العامية، ليبلغ بها أقصى وأصفى درجات التعبير عن الذات، بِرهان شعري وثقافي ليس هو رهان الشفوية، الذي استنزف طاقتها الجمالية والرُّؤيوية؛ وحرّر شعرُه اللغة الشعرية (العامية)، وأبعدها عن مناخها التقليدي، ولم يحتفظ لها بسياج الفاعلية الاجتماعية والسياسية”.
عامية شعر لمسيح “عامية أخرى غير عامية الشارع”، فهي وفق الشاهد “شفيفة، خفيضة الصوت ابتداء من التسعينيات إلى اليوم، بعيدة عن ضجيج المنابر والخطابات الإيديولوجية، تستغور تجربة الذات في علاقتها بالآخر، بالاتكاء على روافد فكرية وشعرية متعددة، تقول: يمكن أن تكون دارجتنا في رتبة القول المدهش، الموحي بالظلال الذي لا يفضح كل الظواهر، بل يلفت النظر إليها”، وهو ما قاد، بعد حين، إلى تتويج الشعر بالدارجة المغربية في آخر دورات جائزة المغرب للكتاب؛ “ما أعطى الاعتبار للكلمة الدارجة، ولعاميتنا المغربية، لشعريتها وقيمتها وانخراطها في التعبير عن حالة الوجود والذات والآخر”.
الشاعر أحمد لمسيح ذكر من جهته أن ديوان “جْزيرة فالسما” كانت نواته “شذرة صغيرة”، موردا: “تخيّلتُ أن هناك رسائل أسيرة في الفضاء، لا تصل إلى المرسل إليه، وأثارت انتباهي السحابة، فقد كنا غالبا في الصغر نتخيل حيوانات وكائنات عندما ننظر إلى الأعلى، إلى السماء، والسحابة هي مجرد عمر أو مرحلة من عمر الماء، وهي توجد في لقاء جدلي بينها وبين الظل، لقاء فيه العابر والزائل، مثلما نحن عابرون وزائلون. والغريب أنه إذا لم يكن هناك ضوء لا يكون هناك ظل، فالنور الذي يتسبب في وجود الظل وهو نفسه الذي يمحوه، وهي مفارقة يعيش الكتاب من خلالها”.
وواصل لمسيح: “هذا الديوان كأنه مشروع سيناريو سيرة لن تقع. وتوجد غواية العدم في لحظات متعددة للكتابة، بل منذ الغلاف الأول، الذي هو صورةٌ لجدارية (…) في موسم أصيلة الثقافي. ونعرف أن الجداريات تمحى لترسم أخرى؛ فهناك زوال ومحو، والإصرار على كتابة مشروع العدم. السحابة مشروع للعدم، فلن تبقى، لذلك قصدت في الكتابة أن يكون كل نص شذرة، ضمن مجموعة من الشذرات. وفي الديوان العلاقة بين الظل والسحابة علاقة متوترة ومتنافرة أحيانا، لكن كلاهما يتشبث بوجود الآخر”.
المصدر: وكالات