تتمتع جهة درعة تافيلالت، التي تحدها خمس جهات مع شريط طويل من الحدود المغربية الجزائرية شرقا، بموقع جغرافي متميز ومناخ صحراوي شبه قاحل، بالإضافة إلى كونها تعد من المناطق الفلاحية الواعدة بالمغرب بسبب توفرها على مساحة صالحة للزراعة تقدر بـ241 ألف هكتار (64 في المائة منها مسقية)، وهي رائدة في إنتاج التمور والزيتون والتفاح والورد العطري، فضلا عن السياحة السينمائية والصحراوية والسياحة الطبية الطبيعية.
وتحد جهة درعة تافيلالت من الشمال الجهة الشرقية وجهة فاس مكناس، ومن الغرب جهة بني ملال خنيفرة وجهة مراكش آسفي، ومن الجنوب جهة سوس ماسة، ويبلغ عدد سكانها، حسب الإحصاء الأخير للمندوبية السامية للتخطيط، مليونا و536 ألفا و800 نسمة، وهم يمثلون 5 في المائة من سكان المملكة.
ورغم المؤهلات الطبيعية والثقافية والتاريخية التي تزخر بها جهة درعة تافيلالت، التي تضم خمسة أقاليم (زاكورة، ورزازات، تنغير، الرشيدية وميدلت)، فإنها تبقى من الجهات الوطنية التي تفتقر إلى العديد من المرافق، خاصة الطرق السيارة والسريعة والسكك الحديدية. وهذه الجهة ليس بها إلى حدود اليوم متر واحد من الطرق السريعة والسيارة والسكك الحديدية، مما يجعلها معزولة عن عالمها الخارجي، حسب العديد من شباب الجهة.
وفي هذا السياق قال عبد الحليم العبدلاوي، فاعل جمعوي بمدينة ميدلت، إن أقاليم جهة درعة تافيلالت تعاني من غياب أبسط متطلبات الحياة، مضيفا أن سكانها يكابدون عوامل طبيعية قاسية وأخرى بشرية فرضها تهرب الجهات المسؤولة، جهويا ومركزيا، من خدمة هذه الجهة، التي تساهم في المقابل في خلق التنمية في الجهات الأخرى للمغرب.
وأوضح المتحدث ذاته أن ما تعرفه هذه الجهة من ركود تنموي جد كبير ومن غياب لمجموعة من الأوراش الكبرى، التي تعرفها باقي جهات المغرب، يجعلها منطقة مغضوب عليها وغير موجودة في حسابات المسؤولين جهويا ومركزيا، مشيرا إلى أن مجلس الجهة بدوره يتحمل كامل المسؤولية فيما آلت إليه الأوضاع، خاصة أنه لم يبادر بعقد اتفاقيات شراكة مع القطاعات الحكومية، وخلق شراكات توأمة مع جهات دولية لتمويل مشاريع كبرى.
التنمية تلامس الصفر
محمد علاوي، فاعل جمعوي بمدينة الرشيدية، قال إن عقودا من الإهمال واللامبالاة كانت كافية لتعود بجهة درعة تافيلالت إلى نقطة ما تحت الصفر في مجال التنمية، بعد أن فرضت عليها العزلة والتهميش من قبل جهات مسؤولة عديدة، بدءا بالمجلس الجهوي إلى القطاعات الحكومية على مستوى المركزي، وفق تعبيره.
وأضاف المتحدث ذاته أنه “رغم إمكانيات الجهة الطبيعية وموقعها الجغرافي، الذي يجمع بين الجبل والسفح في صورة نادرة قلما تجدها في جهات أخرى بالمغرب، وحضارة ساكنتها الضاربة في العمق وثرواتها اللامتناهية، فإنها لا تزال تعاني ويلات التهميش وغياب تنمية حقيقية وأوراش كبرى”، مسجلا أن المنتخبين يفتخرون بمشاريع صغيرة ويحاولون تصويرها للمواطنين بكونها إنجازات كبيرة.
وفي هذا الإطار أكد عدد من أبناء الجهة، في تصريحات متطابقة لجريدة هسبريس الإلكترونية أثناء إعدادها هذا الربورتاج، أن “التنمية بمركز درعة تافيلالت توجد تحت الصفر”، مرجعين السبب إلى “غياب العديد من المشاريع الاستثمارية الكبرى، وتأجيل بعضها إلى أجل غير مسمى، رغم أن كل العوامل والظروف متوفرة لبعث التنمية من جديد”.
لحسن رابح، منتخب وفاعل جمعوي، أبرز أن جهة درعة تافيلالت تقبع في ذيل لائحة المناطق الأكثر فقرا بالمغرب، مضيفا أن سكانها ما زالوا يتنفسون الفقر ويلتحفون التهميش والعزلة، كما أنها تفتقر إلى مجموعة من الشروط التي تساعد على تحقيق معيشة كريمة للساكنة بسبب الحرمان والتهميش المفروضين عليها من قبل المسؤولين الجهويين، وكذا القطاعات المركزية.
وتابع رابح، في تصريح لهسبريس، أن التنمية تلامس الصفر في هذه الرقعة الجغرافية، ملتمسا تدخل الملك محمد السادس من أجل إعادة الحياة والأمل إلى هذه المناطق، وإطلاق مشاريع كبرى مثل جهات شمال المغرب، وأكد أن الساكنة بدأت تفقد الثقة في المجالس المنتخبة وحتى في القطاعات الحكومية، وأن آمالها تكمن في تدخل الملك.
من جهتها، قالت السعدية كريم من مدينة تنغير إن “هناك تهميشا وإقصاء ممنهجين لهذه الجهة في جميع المجالات، خاصة ما يتعلق بالبنية الطرقية”، مضيفة أن “تصريح وزير التجهيز والماء الأخير حول تخصيص ميزانيات ضخمة للمشاريع الطرقية ببعض الجهات دون الإشارة إلى جهة درعة تافيلالت دليل على غياب الرغبة في ترقية الجهة وتطوير خدماتها”.
وأشارت المتحدث ذاتها إلى أن سكان درعة تافيلالت تنطبق عليهم مقولة: “منسيون يتنفسون الفقر ويلتحفون التهميش والعزلة”، مؤكدة أن “غياب الإرادة السياسية في خلق مشاريع كبرى في الجهة يجعلها تحتاج إلى 100 سنة أخرى لتبلغ أقل من نصف ما بلغته جهات أخرى بالمغرب، بالرغم من أن ما تزخر به من مؤهلات طبيعية ومعادن وغيرها لا تتوفر عليها باقي الجهات”.
درعة تافيلالت.. التغيير غير ممكن
تم إحداث جهة درعة تافيلالت برسم التقسيم الإداري للجهات الجديد سنة 2015، وضمت أقاليم كانت تابعة لجهة مكناس تافيلالت سابقا وأخرى تابعة لجهة سوس ماسة درعة سابقا، وهو التقسيم الذي كان غير مرحب به من قبل العديد من الفعاليات لكون الأقاليم التي تم جمعها في جهة درعة تافيلالت حاليا كلها فقيرة ولم تعرف من قبل أي قفزة في تنزيل مشاريع كبرى ومهيلكة، يقول جمال الدين آيت عيسي، فاعل حقوقي بمدينة زاكورة.
وأضاف المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، أن “التغيير غير ممكن في جهة درعة تافيلالت لأن بعض العقليات السياسية لم تعد تبحث عما هو تنموي أو ما هو صالح لتطوير الجهة وأناسها، بل تبحث عن مصالحها الشخصية، ولما لا تجد مصلحتها تبادر بالبلوكاج والعرقلة ونسف كل المبادرات الهادفة”.
وأبرز أن كل السلطات الإقليمية والسلطة الولائية بأقاليم الجهة (وزارة الداخلية) أصبحت تقوم بدور المجالس المنتخبة ودور مجلس الجهة، مشيرا إلى أنها هي التي تقوم بتنزيل الأوراش التنموية، وتبحث عن التمويلات من القطاعات الحكومية. ولفت إلى أن الدور الذي تقوم به السلطات الإدارية حاليا هو دور المجالس المنتخبة ودور مجلس الجهة، مؤكدا أن هناك “تقصيرا كبيرا من قبل هذه المجالس في خدمة تنمية الجهة، وعلى الشارع العام معاقبة هذه المجالس في الولايات القادمة”.
في المقابل كشف مصدر من داخل أغلبية مجلس جهة درعة تافيلالت أن كل ما أثير حول التنمية المفقودة بهذه الجهة صحيح، مؤكدا أن المشاريع الحالية التي يتم تنزيلها صغيرة جدا مقارنة بالمشاريع التي يتم تنزيلها في باقي جهات المغرب، خاصة في الشمال والأقاليم الجنوبية للمملكة.
وأضاف المتحدث ذاته “أتفق مع من قال إن التغيير غير ممكن حاليا في درعة تافيلالت”، مشيرا إلى أن “المجلس الحالي للجهة يفتقر إلى مقترحات تنموية، والكل يحاول أن يعرقل من أجل الحصول على ميزانية لدعم مشاريع إقليمه”. واقترح ضرورة إعداد برنامج عمل وفق مقاربة تشاركية تشارك فيها الجمعيات والخبراء لتقديم مقترحات وأفكار قد تساهم في تطوير الجهة والرقي بها.
رؤية تنموية
وحاولت هسبريس أخذ رأي رئيس جهة درعة تافيلالت، هرو أبرو، حول واقع التنمية بالجهة، إلا أن هاتفه ظل يرن دون مجيب لمدة 4 أيام، فيما أكد عبد الصمد رقوش، فاعل جمعوي بمدينة تنغير، أن “لجهة درعة تافيلالت من المؤهلات ما يجعلها جوهرة المملكة، غير أن الضبابية التي تسود برامج التنمية بهذه الجهة غالبا ما تدفعها إلى الفشل، سواء بسبب ضعف القيادات السياسية أو انعدام التمويل المستدام”، مضيفا “لا أحد ينظر إلى أن مداخل التنمية في هذا المجال متعددة، وتتنوع ما بين التاريخي والثقافي والجغرافي والفلاحي والسياسي والإداري”.
وتابع قائلا: “لقد باتت الحاجة إلى مخطط تنموي واضح المعالم يقوده الفاعل السياسي، بتنسيق مع الفاعلين الترابيين بمختلف مستوياتهم، وبشراكة مع فعاليات المجتمع المدني بالجهة، ملحة ومصيرية لتحقيق إقلاع تنموي يأخذ بالاعتبار الخصوصيات السوسيو مجالية لهذا المجال الترابي، وينهل من جذوره التاريخية المتنوعة وموقعه الجغرافي المتميز، وهذا يقتضي بالضرورة إرساء آليات جهوية لقيادة التنمية تنفتح على المخططات التنموية الإقليمية والجهوية والمركزية”.
المصدر: وكالات