يرى الدكتور عبد الله بوصوف أن خروج الشعب الجزائري للشارع في فبراير 2019 جاء رفضا لتمديد العمر السياسي للنظام العسكري، واحتجاجا على تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لدولة تتوفر على موارد طبيعية مهمة.
وأضاف بوصوف، ضمن مقال توصلت به هسبريس، معنون بـ”رئاسيات جزائرية سنة 2024.. هل ستكون مدخلا للديمقراطية والتنمية أم استمرارا لعرقلة المغرب؟”، أن النظام العسكري لم يتنفس إلا باندلاع الحرب في أوكرانيا ورغبة أوروبا في تعويض الغاز الروسي، وهو ما أنعش خزينة سوناطراك وأخرج الرئيس “تبون” من عزلته بتوافد رؤساء حكومات وشركات مالية وبترولية من أجل توقيع عقود التزويد بالغاز والبترول.
وتساءل الأكاديمي المغربي عن نقاط برنامج رئاسيات تبون لسنة 2024، خاصة أنه طيلة ولايته الأولى كان يحاول إطفاء نار الحراك الشعبي وإشعال النار في مخيمات تيندوف… فلا هو أفلح في تحسين القدرة الشرائية للمواطن الجزائري ولا هو حفظ كرامته من طوابير تحت شمس حارقة.
هذا نص المقال
عندما خرج الشعب الجزائري إلى الشارع في شهر فبراير من سنة 2019، عبر ما عُـرف إعلاميا بـ”الحراك الشعبي”، كان يحتج على تمديد العمر السياسي للنظام العسكري القابض على مقاليد السلطة منذ انقلابه على رموز الثورة الجزائرية سنة 1962…من خلال العهدة الخامسة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، كما كان يحتج على تردي وتراجع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لدولة غنية بمواردها الطبيعية، وخاصة البترول والغاز الطبيعي.
ورغـم حملات القمع والاعتقالات في صفوف زعماء الحراك الشعبي فقد وصلت مطالب الشعب الجزائري إلى مسامع العالم عبر تقارير إعلامية ومنظمات حقوقية بأوروبا وأمريكا، جعلت النظام العسكري يتراجع و”يأكل” أولاده، بدءا من عزل الرئيس بوتفليقة وتسميم “القايد صالح” والإعلان عن رئاسيات تأجلت بضغط من الشارع الجزائري مرتين في أبريل ويوليوز من سنة 2019؛ عندها هدد عسكر الجزائر بالرفع من قبضة الحديد والنار (اعتقال أكثر من 300 متظاهر) في مواجهة زعماء الحراك الشعبي الرافضين لتنظيم رئاسيات شهر دجنبر 2019 بمشاركة أطراف تنتمي إلى النظام الحاكم، ومنهم من تولى وزارات ورئاسة الحكومة في عهد بوتفليقة، ونقصد به الرئيس الحالي السبعيني “عبد المجيد تبون”؛ وهي الانتخابات التي لقيت معارضة شديدة لنتائجها شهِـدت عليها نسبة المشاركة بأقل من 40%، وهي أقل نسبة مشاركة منذ الانقلاب على الثورة الجزائرية سنة 1962.
والمثير للسخرية أن بعض الأبواق الإعلامية، كالصحافيين عبد الحفيظ الدراجي وخديجة بن قنة، كانا من الرافضين لنتائج الانتخابات، وبالضبط لشخصية “تبون”، فالدراجي اعتبر أن “رحيل الرئيس” سيضاف إلى مطالب الحراك الآن، وأن الانتخابات مزورة، في حين أن “بن قنـة” صرحت بأن “تبون كان وزيرا في كل حكومات بوتفليقة المتعاقبة، وأقسم بلسانه أنه لن يحيد عن برامج ‘فخامته’ مهما كانت الظروف…”.
واعتبر الرئيس “تبون” يوم أدائه القسم أنه لم تعد هناك كلمة حراك، واصفا معارضيه بـ”المرتزقة والطابور الخامس”؛ لكن استمرار الحراك الشعبي والضغط الخارجي دفع النظام العسكري إلى إعلان تنظيم تشريعيات مبكرة…لتغيير جلـد البرلمان الجزائري ثم إعلان تعديل دستوري يركز كل السلطات في يد رئيس الجمهورية…
لم تنفع العديد من الحملات الإعلامية مدفوعة الثمن في إخراج النظام الجزائري من عزلته الدولية، حتى إعلانه عن “قانون استثمارات جديد” يطلق يـد الشركات الأجنبية في عمليات استخراج وإنتاج الغاز والبترول، مقابل ضخ عملة صعبة تنفع الجزائر في شراء أسلحة، ليس للدفاع عن مصالح الشعب الجزائري، ولكن لدعم حركات انفصالية وإرهابية، سواء في تندوف أو دول جنوب الصحراء والساحل.
ويكفي التذكير بوزن منصة احتفال ذكرى استقلال الجزائر، وغياب أغلب قادة الصف الأول في مؤتمر الجامعة العربية الذي كاد يفقـد معناه بعد تعـدد حالات تأجيله ورفض الجامعة العربية الانصياع لأجندة النظام العسكري الجزائري…كما يكفي التذكير بحملات السخرية من تنظيم بطولة “الشأن” الإفريقية بالجزائر.
ولم يتنفس النظام العسكري إلا باندلاع الحرب في أوكرانيا، ورغبة أوروبا في تعويض الغاز الروسي، وهو ما أنعش خزينة سوناطراك، وأخرج الرئيس “تبون” من عزلته بتوافد رؤساء حكومات وشركات مالية وبترولية من أجل توقيع عقود التزويد بالغاز والبترول. بطبيعة الحال فهي عقود طويلة الأمد مع امتيازات كبيرة… وأصبحنا نتابع تصريحات “فخامة” الرئيس في بعض قنوات باريس، مع لقاءين متتاليين على الجزيرة ضمن برنامج “لقاء خاص” يوم 22 مارس، و”بودكاست” الجزيرة ليوم 6 أبريل 2023، من تنشيط الصحافية الجزائرية خديجة بن قنـة…بعد رتابة أسئلـة صحافة الدوري المحلي الجزائري، التي كان يخصصها لسرد عنترياته وفتوحات النظام العسكري في مجالات الديمقراطية والدفاع عن الحريات بكل من إفريقيا وأوروبا.
ورغم كل هذا فإن الشعب الجزائري مازال يموت غرقا في البحر المتوسط، ومازال واقفا في طوابير الخبز والحليب واللحم…ومازال “الحراك الشعبي” ينبض بمطالب مشروعة في العيش الكريم والاستفادة من عائدات الثروات الكبيرة في الصحة والتعليم والسكن والشغل…كغيره من مواطني بـلدان الغاز والنفط في الخليج العربي، وليس التباهي بتخصيص “بقشيش” للعاطلين في كل محطات التلفزيون…
اليوم ونحن على مشارف نهاية العُهـدة الأولى للرئيس “عبد المجيد تبون” والاستعداد لرئاسيات سنة 2024، يمكننا القول إن النظام العسكري سيجـدد ثقته في الرئيس “تـبون” لولاية ثانية، وهو على مشارف الثمانينات من العمـر، وهو ما يعني من جهة ضمان استمرار عـقـيـدة النظام العسكري على مستوى الداخل، واستنزاف ثروات البلاد وقمع المعارضين واعتقال المطالبين بحقوقهم من الثروة الوطنية.
ومن جهة ثانـية ترسيخ عُـقـدة النظام على المستوى الخارجي، بخلق معارك نفسية تتعلق بالذاكرة والتاريخ، سواء مع المستعمِـر الفرنسي في مواضيع الذاكرة المشتركة والجماجم والسجال السياسي حول عدم وجود “أمة جزائرية”، واحتضان مقر حكومة القبائـل بباريس وتكريم أحفاد “الحرْكة” والأقدام السوداء من طرف الإيليزي، أو تكريس “دبلوماسية الغاز” في كل تحركاتها، سواء بـدول الجوار كتونس وليبيا أو بدول الساحل جنوب الصحراء، أو بداخل أروقة “حركة عدم الانحياز” والاتحاد الإفريقي لشراء الولاءات والأصوات من أجل الترويج لبضاعة البوليساريو الفاسدة بمخزن تندوف؛ أو محاولة تصحيح الوضع الداخلي كشرط للانضمام لدول البريكس، إذ زل لسان “تبون” أثناء هذيانه في لقاء مع قناة الجزيرة بقوله بضرورة القيام بإصلاحات تخص الرفع من الدخل القومي ومؤشرات اقتصادية…كشروط للانضمام للبريكس.
فما هي نقاط برنامج رئاسيات تبون لسنة 2024..إذا عملنا أنه طيلة ولايته الأولى كان يحاول إطفاء نار الحراك الشعبي وإشعال النار في مخيمات تينـدوف…فلا هو أفلح في تحسين القدرة الشرائية للمواطن الجزائري ولا هو حفظ كـرامته من طوابير تحت شمس حارقة؛ بل استمر في محاولات تشويه صورة المغرب فسقط في Algerigate من خلال تورط لوبيات ومنظمات تخصص لها سونطراك عمولات صعبة من أجل تقارير إعلامية مفضوحة سرعان ما عجزوا عن حلها بعـد فضيحة إعلامية وقضائية…كما واظب النظام على محاولات صُنْـع عدو وهمي للشعب الجزائري الشقيق، في حين عجـز عن مواجهة العدو الحقيقي للشعب، وهو الفقـر والبطالة وانعدام مرافق الصحة والتعليم وقمع الحريات…هذا رغم كل ما يتوفر عليه البلد من إمكانيات طبيعية للتنمية والتطـور.
لكن للنظام العسكري الجزائري أجندة أخرى وتـرتيبا آخر لأولويات الشعب، يعتمد في تسويقها على مجموعة إعلامية “للإيجار”، فخديجة بن قنة والدراجي مثلا خرجا من “الطابور الخامس” وأصبحا في مقدمة طابور النظام، ويقحمان المغرب في كل خرجاتهما من الرياضة إلى الطبخ إلى الزليج والقفطان والطاجين وغيره… وأصبحا بذلك الذراع الإعلامي للنظام بالخارج ومؤثرين بشبكات التواصل الاجتماعي وتحت تأثـير قـوة دولارات سونطراك…وقس على ذلك أقلاما ومنابر إعلامية وحقوقية وحتى شخصيات قضائية بأوروبا.
إن ما يعيشه نظام الجارة الشرقية من وهـن سياسي ومحاولة التغلب على عُـقدِه النفسية تجاه المملكة المغربية الشريفة التي دافعت عن استقلال الجزائر بهيئة الأمم المتحدة في عهديْ السلطان محمد الخامس والملك الحسن الثاني طيب الله ثراهما..وآوت مجاهديها بدءا من “الأمير عبد القادر” إلى قادة الثورة الجزائرية بمدن الشرق والريف المغربي، وخاصة بمدينة الناظور… واستمرت سياسة اليد الممدودة مع الملك محمد السادس، رغم قطع العلاقات الدبلوماسية وإغلاق الحدود والمجال الجوي…ورغم إقحام المغرب في حروب خسرتها الجزائر كالرمال وأمكالة، وملف الصحراء المغربية الذي يعتبره النظام الجزائري معيارا لتزكية كل مرشح للرئاسيات، واعتباره معركة شخصية للمرشح؛ في حين يعتبره المغرب قضيته الأولى وقضية وُجُـود ومنظاره للعـالـم…
فهل سننتظر طويلا ولادة جيل سياسي جزائري جديد متصالح مع تاريخه ومع محيطه، ويضع نُصْب أولوياته تنمية الجزائر، لا جيوب جنرالات النظام والشركات العالمية، ويقطع مع جيل رضع من ثـدي جهالات التاريخ ونظريات المؤامـرة؟.
المصدر: وكالات